حين أقرأ عن ذهاب بعض المسؤولين من العاملين في وزارة التربية في البلاد العربية إلى ديار الغرب للاطلاع على التجربة التربوية في بريطانيا أو فرنسا أو أستراليا، تنتابني حالة من الضحك، لأنه من الواضح أن هؤلاء المسؤولين يعلمون علم اليقين أنهم إنما يذهبون لقضاء عطلة مرفهة على حساب الدولة، دون أي فائدة تربوية، ومن هو العاقل الذي يرفض إجازة في بلد أوروبي شاملة الأجر والسكن والمواصلات؟ إذ لا يختلف اثنان من العقلاء أن لا علاقة بين النظام التربوي العربي والنظام التربوي الغربي. إذ شتان بين نظام يقوم على الحرية والانفتاح العقلي وشيوع روح الانفتاح العقلي وثقافة الحوار، ونظام يمجد الاستبداد ويعتمد التلقين الأعمى، ويُمنع فيه الحوار والنقد، حيث تقوم العملية التربوية على فهم خاطئ لقوله تعالى "لا علم لنا إلا ما علمتنا". من ذاك الذي يجرؤ على معارضة الأستاذ دون خوف من تأثير هذا سلباً على درجاته العلمية؟ ومن المدرس الذي يجرؤ على مخالفة منهج وزارة التربية؟ ولا زلت أذكر أن أحد أبنائي يوم كان في المرحلة الثانوية، قد عارض قول مدرس الدين، بأن قابيل حمل أخاه هابيل بعد قتله إياه مدة أربعين عاماً كما تقول بعض كتب التفسير، قبل أن يبعث الله سبحانه وتعالى غراباً يعلمه كيف يدفن جثة أخيه المقتول! ورأى ابني أن هذا مستحيل لأن الجثة البشرية تتعفن خلال أيام، ثم طلب من المشرف الاجتماعي الانسحاب من مقرر الدين، لأنه ليس مستعداً لسماع مثل هذه الأمور غير العقلية. فما كان من المشرف سوى الاتصال بي لحل هذا الإشكال لأن اللوائح تمنع تغيير المقرر الدراسي بعد فترة معينة. وحاولت قدر جهدي مع ابني بأن يواصل دراسة المقرر دون الحاجة للاعتراض، لأن المدرس نفسه ملزم بالمنهج. فهدد ابني بأنه سوف يتغيب عن الدرس حتى يرسب، ولكنه لن يحضر دروس هذا المقرر. فما كان أمام المدرسة سوى الخضوع لهذا العناد ونقله إلى مقرر آخر. وحين غادر ابني غرفة المشرف الاجتماعي، سألته: يا أستاذ، هل هذا مما يدخل العقل؟ قال: كلا، ولكن هذا هو منهج وزارة التربية. ولا لوم عليه لأن هذا هو الواقع. مثل هذا الوضع لا يمكن حدوثه في المدارس الغربية، حيث حق المعارضة العلمية مفتوح على مصراعيه، وحيث يتم تعليم الطالب ممارسة حقه في النقد والاعتراض، وحيث توجد المحاكم التي يمكن اللجوء إليها لحسم الخلافات حول المناهج الدراسية، كما هو حال الخلاف اليوم في الولايات المتحدة الأميركية حول مدى جواز تدريس نظرية دارون لمن لا يرغب في ذلك. ومن ناحية أخرى، لا نجد في نظامنا التعليمي العربي الأمانة في النقل. فنظرية دارون يتم نقدها دينياً دون دراستها علمياً، وأما النظرة الدونية للمرأة فحدث ولا حرج، وحيث لا يعرف الطالب سوى صورة الأم فقط، وأما الزوجة والأخت فلا وجود لهما في هذه المناهج! بل إن من التوجهات الحديثة في مناهجنا التربوية التقليل من شأن الفلسفة ورفضها من الناحية الدينية، إضافة إلى عدم الاهتمام بدروس الموسيقى والفنون بشكل عام. رفي نظام التربية العربية تم تديين كل المقررات الدراسية. بل إن مقرري العلوم واللغة العربية يدوران في معظم موضوعاتهما، حول الموضوعات الدينية. في ظل هذه الاختلافات الجوهرية بين نظامي التعليم العربي والغربي، كيف لا يحس المسؤولون الذين يرحلون إلى بلاد الغرب للاطلاع على التجربة التربوية الغربية، بالعيب والخجل عند مقارنة مناهجنا مع مناهجهم؟ لكن هل من العقل رفض إجازة مدفوعة الأجر، والسفر على الدرجة الأولى؟