من المعروف والثابت وجود علاقة بين الإصابة ببعض الأمراض وبين نمط وأسلوب الحياة، أو العادات الشخصية والتقاليد المجتمعية العامة، مثل العلاقة بين التدخين واحتمالات الإصابة بسرطان الرئة والفم والحنجرة والبلعوم، أو العلاقة بين قلة الحركة والإفراط في الأكل وبين السمنة وداء السكري، أو بين العادات السابقة كلها وبين الإصابة بأمراض القلب. وتمتد تلك العلاقة لتشمل أيضا نمط وأسلوب الملابس أو الزي العام، حيث يؤدي مثلا تعريض جزء كبير من الجسم لأشعة الشمس لفترات طويلة من خلال الملابس التي لا تغطي الكثير من الجلد إلى زيادة احتمالات الإصابة بسرطان الجلد. أما ارتداء الملابس التي تغطي معظم الجسم، وبشكل مستمر، فيؤدي هو الآخر إلى مشاكل صحية، وبالتحديد الحالة المعروفة بنقص فيتامين (D) أو فيتامين (د). وقبل أن نسهب في توصيف هذه الحالة المرَضية، ومدى انتشارها بين سكان دولة الإمارات، وهو الانتشار الذي وصل إلى درجة الوباء في رأي البعض، لابد أن نتوقف قليلا عند طبيعة هذا الفيتامين، ووظائفه في الجسم، ومصادره الطبيعية. وبوجه عام تعرف الفيتامينات على أنها مركبات عضوية يعجز الجسم عن تصنيعها بكميات كافية بنفسه دون مساعدة خارجية، ويحتاجها الكائن الحي بكميات صغيرة جداً كجزء من المغذيات الأساسية، وفي بعض الحالات، كما هو الحال مع فيتامينات (D) و(K) مثلا، يمكن للجسم البشري الحصول على احتياجاته بطرق أخرى غير الغذاء، مثل أشعة الشمس التي تعتبر المصدر الأساسي لفيتامين (D). وإذا ما طبقنا التعريف السابق على فيتامين (D)، فسنجد أنه مركب عضوي ضروري لعملية امتصاص الكالسيوم والفسفور من الأمعاء، وإعادة امتصاص الكالسيوم من الكليتين، وهي الوظائف الأساسية لنمو العظام، والحفاظ على قوتها وصلابتها، ووقايتها من الإصابة باللين والهشاشة. ويمتد هذا المفعول إلى العضلات، حيث يساعد فيتامين (D) على توفير كميات كافية من الكالسيوم في مجرى الدم، وهذا ضروري لقيام العضلات بوظائفها الطبيعية. ومن قائمة الوظائف تلك، يمكننا استنتاج الأمراض التي تنتج عن نقص فيتامين (D). فبالنسبة للعضلات، يؤدي هذا النقص إلى خفض مستوى الكالسيوم في مجرى الدم، وبالتالي تعرض العضلات للوهن وسرعة التعب، وفي الحالات المتقدمة الإصابة بالانقباضات اللاإرادية أو الاختلاجات المتكررة. أما بالنسبة للعظام، فيتسبب نقص الفيتامين في حزمة من الأمراض، تختلف باختلاف العمر، وبدرجة النقص. ففي حالة الأطفال، يؤدي نقص فيتامين (D) إلى الإصابة بالكساح (Rickets) أو لين العظام، مما يؤدي إلى تأخر النمو، وتشوه عظام الجسم الطويلة، وليونة وتشوه عظام الجمجمة. أما عند الكبار، فإن نقص الفيتامين يؤدي إلى ضعف العضلات، وليونة العظام، أو هشاشتها وقابليتها للكسر في الحالات الشديدة والمزمنة من نقص فيتامين (D). وفي الآونة الأخيرة، تواترت الأدلة على وجود علاقة بين نقص فيتامين (D)، وبين الإصابة بالاكتئاب النفسي، والتصلب المتعدد، وأمراض القلب، وسرطان الثدي، والبروستاتا، والقولون، والوفيات المبكرة إجمالا. ومشكلة هذا الفيتامين، أنه يوجد بكميات قليلة جداً في بعض أنواع الغذاء، مثل أسماك السلمون والساردين، وكبد الحيوانات والطيور، وجبن "الشيدر". وبما أن هذه الأطعمة ليست من الثوابت الغذائية اليومية، لا نحصل جميعنا في الغالب على كميات تكفي لسد حاجة الجسم من خلال الغذاء فقط. وهو ما دفع بعض الدول إلى تدعيم بعض المنتجات الغذائية، مثل الحليب، والزبادي، وحبوب الإفطار، والخبز، بكميات من فيتامين (D)، لمكافحة النقص الشائع منه بين أفراد مجتمعاتها. ويمكن الحصول على قدر كافٍ من هذا الفيتامين بشكل طبيعي، من خلال تعريض الجلد لأشعة الشمس، لفترة عشر دقائق مرتين في الأسبوع، بين الساعة العاشرة صباحاً والثالثة عصراً. حيث يعتبر تصنيع فيتامين (D) في الجلد عند تعرضه للشمس، هو المصدر الطبيعي الأساسي لحصول الجسم على احتياجاته منه. ويمكن أيضاً الحصول على الاحتياجات الضرورية من فيتامين (D)، من خلال تعاطي كبسولات تباع في الصيدليات دون الحاجة إلى وصفة طبية. وإن كانت مشكلة فيتامين (D) الأساسية هي عدم إدراك الكثيرين لتعرضهم لنقص فيه. وهو النقص الذي ينتج من حقيقة أننا أصبحنا نقضي معظم أوقات يومنا داخل أماكن مغلقة. وعند خروجنا من منازلنا أو مكاتبنا، نحاول قدر جهدنا تجنب التعرض لأشعة الشمس. وهذا السلوك البشري، الحديث نوعاً ما، جعل نقص فيتامين (D) وما ينتج عنه من أمراض، أحد أكثر العلل انتشاراً حالياً بين سكان الدولة، وخصوصاً بين الأطفال والنساء. فالدراسات التي أجريت داخل الدولة مؤخراً، تظهر تعرض 60 في المئة من النساء، و65 في المئة من الرجال، لدرجة من درجات نقص فيتامين (D). وعلى رغم أن الفترة الأخيرة شهدت تزايد إدراك أفراد المجتمع الطبي المحلي لهذه المشكلة، مما أدى إلى زيادة واضحة بمقدار أربعة أو خمسة أضعاف في عدد التحاليل التي أصبح يجريها الأطباء حالياً لتحديد مستوى الفيتامين في الدم، إلا أن المشكلة لازالت مغيبة عن الوعي الصحي العام، وخصوصاً في ظل احتمالات وجود علاقة بين هذا الوباء المحلي من نقص فيتامين (D)، وبين زيادة انتشار بعض الأمراض الأخرى، مثل نقص وتعثر نمو الأطفال بشكل طبيعي، وزيادة معدلات الإصابة بهشاشة العظام، وسرطان الثدي بين النساء. د. أكمل عبدالحكيم