مثلما يقضّ مضجعنا الخطأ والزيف، فإن النجاح والألق يجعلاننا في أوج السعادة والانبهار، ويحفزان الثناء وجزيل الشكر، فالبرنامج الذي يأتي كل يوم على شاشة أبوظبي الفضائية \"علوم الدار\" جدير بالتقدير المتواصل. فالأخبار المحلية تأتي من خلال \"علوم الدار\" طازجة ساخنة وباعثة على إثارة فضول التساؤل لمعرفة المزيد، كما أنها بعدت بشكل لافت عن أخبار الاستعراض التقليدية ولم تسقط في فخ الرسميات، الذي لا يهتم به المشاهد ولا يعنيه من الأساس. ومثلما بدأ منذ عامين بحرارة وعمق، فإنه استمر بذات الروح والاندفاع، وهو أمر في غاية الأهمية، فكثير من المشاريع تفقد حماسها بعد مضي مدة من الزمن عليها. ولكن \"علوم الدار\" استمر بحماسة القائمين عليه والإيمان بدوره التوعوي المهم. وفي قراءة سريعة لمحتوى البرامج الإعلامية المقدمة من خلال الفضائيات العربية، فإن محتواها مازال خاضعاً لإسفاف يحتل أكثر من تسعين بالمائة من الخريطة البرامجية. وإذا كانت هناك برامج جادة وتستحق الإشادة، فإن عمرها الافتراضي متضائل، وتكاد تختفي اليوم في ظل هجمة الغث، الذي يمكن اعتباره غرقاً بلا أمل صارخ في النجاة. بل وصار الأمر كأنّ الإسفاف هو الأصل، بحيث لم تخل فضائية عربية واحدة من برامج فارغة المضمون وبلا فكرة، ومقلدة من برامج غربية أخرى. فالأصالة تحولت إلى مجرد حديث ممجوج؛ لأنها في الحقيقة غائبة بل تتوافر معان عديدة في المحاكاة والتزوير وغيرها. وليس من الصعب أن تقيس اليوم نجاح برنامج مقارنة بغيره، فنسبة المشاهدة ليست دائماً دليل جودة، بقدر ما هو الابتكار وتوافر عناصر الجدب في طريقة تقديم ومضمون البرنامج وجرأة الأفكار المطروحة من خلاله. وقد فهم البعض أن الجرأة تعني الحديث الفج عن الجنس، وغيره من التفاصيل التي تعتبرها المجتمعات الشرقية من القضايا السرية التي لا يصح الخوض فيها علناً، فتمادت بعض البرامج في عرض أفكار وأوهام حول هذا الموضوع، دون آلية ضوابط أخلاقية أو قيمية. وإذا كانت هناك برامج شبيهة بـ\"علوم الدار\"، فإنها لا تملك هذا الحس المحلي الصرف والتي تعني المواطن الإماراتي أولاً وأخيراً. فالمحطات المحلية استهدفت جمهورها دون النظر إلى احتياجات المواطن الأصلية ورغبته في المعركة القائمة عليه، و\"علوم الدار\" هنا استطاعت أن تكون محكاً محلياً لتجربة يمكن القول عنها إنها وصلت إلى مرحلة النضج وتحتاج اليوم إلى إشادة حتى يستمر ضوؤها في الإشعاع والتمدد. وحريّ بجهات عدة البحث عن تنفيذ أفكار تصب في خانة الابتكار والاختلاف، فقد أثبت برنامج علوم الدار كفاءة الاستمرار رغم صعوبة الأرضية التي انطلق منها، ووعورة تفاصيل الأخبار المنتقاه، والتي تهتم أولاً وقبل كل شيء بحديث الناس واهتماماتهم. جميلة هي تفاصيل \"علوم الدار\"، وجديرة أن تكون مثالاً يحتذى به، وتتم الإشادة بكل القائمين عليه. وهي بالضبط نبض الدار، الذي لا يألو جهداً في كشف الجروح، ومداواتها بالملح رغبة صادقة في علاج نافذ وسريع. وليس من المفترض بنا اليوم أن لا نرى إلا الأخطاء، إننا بصدد تجربة قديمة في الحراك الإعلامي علينا أن نشيد بكل فكرة جديدة متأصلة في واقع الحياة اليومي، ويرتجى أن يطرح حلولاً عدة آن لها أن تعلن حاجتها للدواء. نبض الدار الصادق يصل للقلب دوماً... لهم التصفيق والإشادة والتمنيات باستمرار مثمر وواعٍ إلى أبعد حد.