هذه ملاحظة أوجهها إلى من ستصبح عما قريب محافظة سابقة: سارة بالين... النساء العظيمات لا يتركن موقعهن. سلي هيلاري كلينتون: يمكنك أن تبكي، أو على الأقل أن تدعي عينيكِ تغرورقان بالدمع حتى تتجاوزي هذه الأيام الصعبة... أما الاستقالة فلا! ليس قبل أن تكوني مضطرة لذلك، وحتى لو اضطررتِ فلابد أن تتمسكي بالبقاء لعدة أسابيع إضافية. سلي "سرينا ويليامز"، أو إذا ما شئنا أن نكون أكثر دقة، شقيقتها الكبرى"فينوس". فالشوط الأول في نهائي بطولة ويمبلدون لفردي السيدات أول من أمس، مضى نحو شوط لكسر التعادل فازت به "سيرينا" في النهاية. لكن "فينوس"، حتى وهي كانت خاسرة بنتيجة 2-5 في الشوط الثاني، تمكنت من تعويض الفارق قبل أن تخسر في النهاية بعد كفاح مرير. سلي "جيني سانفورد" التي تبذل قصارى جهدها كي تُبقي على زواجها، وتحافظ على أسرتها، رغم أن زوجها قد أعلن العثور على توأم آخر لروحه. لكن ما حدث هو أن "سارة بيلين" لم تستقل فحسب، بل بدأت بعد ذلك تتفاخر باستقالتها، وتمتدح نفسها على ذلك. وقد اتخذ هذا التفاخر ومدح الذات نمطاً "بالينياً" مميزاً يجمع بين مظهر غير مبرر من الأنانية، وإحساساً غير مبرر أيضاً في رثاء النفس، وهو ما يتبدى في قولها: "لقد فكرت في مدى المتعة التي يتمتع بها المحافظون الذين لا يفعلون شيئاً حقيقياً ويكون وضعهم مثل وضع البطة العرجاء، حيث يمكنهم التطواف بأرجاء الولايات الأخرى، كما يمكنهم السفر للخارج لحضور مؤتمرات التجارة الدولية، كما يفعل معظم السياسيين". ثم أضافت بالين: "عندما فكرت في كل ذلك قلت لنفسي: إن الشيء الخاطئ هو أن يقبل المحافظون بوضع البطة العرجاء ويطوفون البلاد، ويصرفون شيكات رواتبهم من البنوك، ويستغلون مناصبهم، ويحققون أكبر نفع من ورائه، وأنا لن أسمح لنفسي بتعريض ألاسكا لكل هذا". حسناً، لكن هل نفهم من ذلك أنها عندما كانت تطوف بأرجاء الولايات المختلفة للدعاية لنفسها، وهي مرشحة لمنصب نائبة الرئيس، لم تكن تعرض ألاسكا لكل هذا؟ وهل عندما أسست مؤسسة"سارة باك" كي تدفع تكلفة جولاتها السياسية، وتتردد على كل الأندية الراقية وحفلات العشاء الباذخة، لم تكن تعرض ألاسكا لأي شيء؟ هنا قد يخطر على البال سؤال آخر: أليس من الظلم لولاية ألاسكا أن تتحول محافظتها إلى بطة عرجاء؟ ألم يكن هناك في الولاية أحد قادر على تصويب فوهة بندقية صيد إلى رأسها كي يجبرها على الذهاب في مهمة تجارية؟ قد أتبعت بالين فخرها باستقالتها وثنائها على نفسها بموضوع على "فيس بوك" تقول فيه إنها قد قيمت نفسها بمعيار أسمى من المعيار الذي يقيم به الآخرون ممن يتركون وظائفهم سعيا وراء وظائف أرقى. وقالت بالين إنها تترك وظيفتها لأن ذلك "يتعلق بمصلحة الوطن"، وبعد ذلك بسطر واحد فقط قالت إن الأمر هنا يتعلق بمصلحة "العائلة". وكان مما قالته أيضا في هذا الجزء من قيدها على الـ"فيس بوك"، إن "كل أميركي يفهم جيدا مدى العناء الذي يتطلبه اتخاذ قرار في صالح الجميع بما في ذلك عائلتك". الحقيقة أنني متحيرة؛ هل هي تخطط للبقاء في دائرة الضوء، أم تخطط للخروج منها؟! من الإنصاف القول إنني لم أكن من بين المعجبين بـ"بالين" منذ وقع اختيار "جون ماكين" عليها كي تكون رفيقته على تذكرته الانتخابية، وبعد ذلك هبط تقييمي لها درجات ودرجات. وأظن أن عدائي لها مستمد جزئياً من انتمائنا لجنس واحد، فأنا متشوقة لرؤية النساء وهن ينجحن في حقل السياسة مثلما يحدث في كل مكان في العالم حالياً. كما أظن أن اختيار ماكين العبثي لها، وأداءها المتعثر، كان له دور في إعادة قضية المرأة في أميركا خطوات للوراء. في اليوم الذي رُشحت فيه لخوض سباق الرئاسة على منصب نائب الرئيس، أطلقت بالين النار على حملة هيلاري كلينتون عندما قالت: "لقد تبين الآن أن نساء أميركا لم ينتهين بعد (في إشارة لهيلاري) وأنهن أصبحن قادرات الآن على تحطيم السقف الزجاجي مرة واحدة وللأبد". نعم نحن نستطيع ذلك حقاً، لكن "بالين" نسيت أنها لم تكن عوناً لنا على ذلك. والانعطافة الأخيرة في تمثيلية سارة بالين تنذر بالخطر وتزيد الأمور سوءاً. فالتفسير غير المقنع المقرون باصطناع الحكمة والذي قالت فيه: "لا تفسري شيئاً، فاصدقاؤك لا يريدون منك تفسيراً، كما أن أعداءك لن يصدقوك على أي حال"، يبرز صورة امرأة غير قادرة على تحمل عبء الضغط السياسي. أما الإيحاء بأنها تقدم صورة براقة عن النساء المتألقات الجريئات فتبدو لي كفكرة سخيفة باعثة على الاستهزاء. إذا ما كان زميلها المحافظ "مارك سانفورد"، قد أثبت أي شيء، فهذا الشيء هو أن الساسة الرجال يمكن أن يكونوا عاطفيين وعلى قدر كبير من الهشاشة تماماً كالنساء. هل من العدل أن ينعكس أداء سارة بالين الرديء على غيرها من النساء العاملات في مجال السياسة؟ بالطبع لا، لكن خطوة "بالين"، ليست كما وصفتها هي بنفسها، "ليست تقهقراً، وإنما تقدماً في جهة أخرى"، إذ الحقيقة هي أنها ليست تقدماً، لا بالنسبة لها ولا بالنسبة لأية امرأة أخرى. روث ماركوس كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست