طالما أن الرئيس الأميركي أوباما يواصل البحث عن شركاء له في العالم الإسلامي، فعليه الاستماع إلى ما تقوله الحكومة التركية، بذات القدر الذي يستمع به إلى الرئيس المصري. بل يمكنه تعلم الكثير من الحزب الإسلامي الحاكم في أنقرة، باعتباره شريكاً مهماً لأوباما في العملية الديمقراطية. فبصفتها دولة حليفة وعضواً في "الناتو"، ظل يسيطر على سدة الحكم في تركيا "حزب العدالة والتنمية"، الإسلامي المعتدل، منذ عام 2002. وقد أكد هذا الحزب التزامه بالنهج الديمقراطي، فضلاً عن نشاطه الواضح في ساحات العمل الدبلوماسي السلمي خارجياً. وهذه هي الأسباب التي رفعت مكانة الحزب في عيون الأتراك. فإثر فوز الحزب للمرة الأولى في انتخابات عام 2002، سارعت المنظمات والحركات الموالية له على المستوى القاعدي، إلى محاولة دفعه نحو فرض قوانين مقيدة لبعض الحريات الشخصية بحجة منافاتها للإسلام. لكن سرعان ما اصطدمت تلك النوايا بسيادة النظام القضائي الذي قضى بعدم شرعية مصادرة الحريات العامة والشخصية للمواطنين تحت أي دعاوى أو مبررات. وما كان من الجهاز الحكومي التنفيذي إلا أن خضع لقرارات المحكمة الدستورية. وفي وقت لاحق سعت الحكومة لرفع الحظر المفروض على ارتداء الحجاب داخل الحرم الجامعي وفي المؤسسات الحكومية الرسمية. غير أن القضاء كان بالمرصاد لتحركاتها فبقي الحظر المفروض منذ أيام "تركيا الفتاة". وعلى امتداد 10 أيام أمضيتها في ثلاث مدن تركية كبرى، وزرت خلالها مناطق واسعة من الريف، رأيت النساء التركيات يرتدين ملابس تراوحت بين الطراز الأوروبي الشديد التحرر، وأخريات يكتفين بارتداء غطاء أنيق للرأس وحده، وأخريات يرتدين الحجاب الأسود الكامل الدال على شدة تدينهن. على أن الغالب بينهن هو التوسط. وفي كثير من الأماكن رأيت الشابات التركيات -السافرات والمتحجبات- وهن يتسامرن ويتضاحكن مع بعضهن البعض بمنتهى الأريحية. وفيما يتعلق بالشؤون الداخلية، فقد حدثني أستاذ جامعي في إسطنبول قائلاً: إن كنتِ من الناشطات الليبراليات التركيات المعنيات بقضايا حقوق المرأة وحقوق الأقلية الكردية، فلن تجدي أفضل من حزب "العدالة والتنمية"، في الحرص على احترام هذه الحقوق ورعايتها. وقد سمعت الرأي نفسه لدى أشد العلمانيين الأتراك. ويذكر أن أوباما كان قد زار تركيا في أبريل الماضي، حيث ألقى خطابه الأول المهم الذي وجهه إلى العالم الإسلامي. وقد سر الأتراك لإدراج أوباما بلادهم في قائمة أولى الدول التي زارها عقب توليه المنصب الرئاسي، كما سُرُّوا أيضاً بما أبداه من احترام واهتمام بهواجس تركيا وغيرها من دول العالم الإسلامي. وفي الرابع من يونيو الجاري، ألقى أوباما خطاباً ثانياً مهماً وجهه إلى العالم الإسلامي من القاهرة. وتعتبر هذه الأخيرة مركزاً تاريخياً للحياة الإسلامية، مثلما هي تركيا. غير أن الحكومة التركية تتبع نهجاً وسياسات أكثر قرباً لما يدعو إليه أوباما. فقد حافظت حكومة "العدالة والتنمية" في ولايتيها المتتابعتين على علاقات طيبة مع كل من أوروبا وكافة الجيران، بما في ذلك اليونان وجورجيا والعراق وسوريا. وخلال عامي 2007 و2008 قامت تركيا بوساطة بناءة في المفاوضات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل. لكن يلاحظ توتر العلاقات بين أنقرة وإدارة بوش السابقة لعدة أسباب، أهمها معارضة تركيا الغزو الأميركي للعراق في عام 2003. وقد رفضت أنقرة استخدام أي جزء من أراضيها لمهاجمة العراق. ومن أسباب التوتر أيضاً احتجاج إدارة بوش على حسن العلاقات بين حزب "العدالة والتنمية" الحاكم ودمشق، ثم بينه وحركة "حماس". وفيما يبدو لم يكن بوش يستحسن كثيراً السياسات المتوازنة التي كانت تتبعها تركيا، على الصعيد الشرق أوسطي. فبدلاً من تلك السياسات كان بوش يفضل نهجاً آخر يقوم على تعميق الاستقطاب والانقسامات الحادة بين معسكرين في المنطقة، وصف أحدهما بالاعتدال والآخر بالتطرف. ومما لا شك فيه أن إدارة بوش بذلت قصارى جهدها في محاربة "حزب الله" وحركة "حماس"، بينما حافظت على علاقة متوترة مع سوريا. وقد تساءل حينها كثير من مسؤولي الإدارة السابقة، عما إذا كان فوز "حماس" و"حزب الله" سوف يمكنهما من التوفيق بين مبادئهما الإسلامية والممارسة الديمقراطية الحقة. وجاءت تجربة "العدالة والتنمية" رداً عملياً على ذلك السؤال. واليوم، فإن على أوباما أن يستمع إلى ما تقوله أنقرة عن الشؤون الإقليمية المحيطة بها. كما عليه أن يأخذ بإيجابية تجربة حزب "العدالة والتنمية" في إنجاح الديمقراطية، لأن في هذه التجربة الكثير مما يمكن لها أن تتبادله مع بقية الدول الأعضاء في حلف "الناتو". هلينا كوبان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتبة أميركية متخصصة في قضايا الشرق الأوسط ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"