تتوالى الأحداث الإرهابية وتطوراتها في اليمن، وتعيد للأذهان نشاط تنظيم "القاعدة" هناك، فالعملية الإرهابية التي تعرض لها سياح من كوريا الجنوبية وما تلاها من محاولة شن عملية أخرى ضد عناصر من الدولة نفسها الذين حضروا لمعرفة ما حدث، ثم الأخبار التي تتوارد يومياً عن قيام الحكومة اليمنية بتسليم عناصر سعودية تابعة لـ"القاعدة"، تثير سؤالا ملحاً: هل بات اليمن ملاذاً آمناً لـ"القاعدة في جزيرة العرب"، خاصة بعد أن تم الإعلان في نهاية يناير الماضي عن دمج فرعي تنظيم "القاعدة" في اليمن والسعودية تحت قيادة واحدة؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا اليمن بالذات؟ وهل سنسمع قريباً عن إعلان "القاعدة" أن اليمن أصبح إمارة إسلامية؟ وما علاقة ما يجري في اليمن بمجمل الأحداث الجارية في منطقة الخليج؟ وهل هناك جهات أو دول لها مصلحة في أن يصبح اليمن "قاعدة" انطلاق لـ"القاعدة" لتعيث فساداً في أرض الجزيرة العربية وتقضي على الأخضر واليابس؟ أسئلة كثيرة تثيرها تطورات الأحداث في اليمن في الربع الأول من هذا العام، سنحاول أن نجيب عنها، وربما تلقي الضوء على المخطط الإرهابي الذي يجري تنفيذه بخطى حثيثة في المنطقة ويحتاج إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لوأده. توجد دلائل كثيرة على عودة تنظيم "القاعدة"، أو ربما تنظيم يتبنى الفكر نفسه، بقوة إلى اليمن مدعوماً بجهات خارجية. وليست حادثة السياح الكوريين هي الدليل الوحيد، بل وجود أعداد كبيرة من السعوديين أصحاب فكر "القاعدة"، سواء العائدين من أفغانستان أو العراق، الذين تم استقطابهم وغسل أدمغتهم وتدريبهم ليصبحوا "روبوتات" مبرمجة للقتل، بدليل الأعداد الكبيرة من الإرهابيين السعوديين الذين قام اليمن بتسليمهم للسلطات السعودية وفق قائمة من 85 مطلوباً. كما أن القيادة الجديدة لـ"القاعدة" في اليمن تشكلت بزعامة اليمني ناصر عبدالكريم الوحيشي، المكنى بأبي بصير، والسعودي العائد من جوانتانامو سعيد الشهري المكنى بأبي سفيان الأزدي نائباً له، وأُسندت القيادة العسكرية لليمني قاسم الريمي الملقب بأبي هريرة، كما أوكلت القيادة الميدانية للسعودي محمد عتيق العوفي الملقب بأبي الحارث، الذي سلم نفسه منذ أيام للسلطات السعودية. وقد أكدت هذه القيادة على استهدافها المصالح الأجنبية في المنطقة، والمصالح النفطية للمملكة العربية السعودية. وعلى الرغم من تسليمنا بأنه يصعب اندماج جميع خلايا وعناصر "القاعدة في الجزيرة العربية" تحت قيادة واحدة، بدليل سعي البعض إلى تسليم نفسه للسلطات السعودية بعد أن أدرك أنه أداة لتحقيق مصالح قوى وجهات أخرى، فإن الوضع الأمني في اليمن يحتاج إلى دعم خليجي قوي. لكن لماذا اليمن؟ ربما يمثل اليمن ملاذاً آمناً وممراً دولياً لعناصر "القاعدة"، بحيث يستطيعون الاستفادة من المزايا الجغرافية وتعاطف القبائل في الاختباء والتدريب، كما أن اليمن موقع استراتيجي للإرهابيين، فهو يسمح لهم بالانطلاق إلى السعودية والصومال والعراق وأفغانستان وحتى الشيشان. والسلطات اليمنية منشغلة عسكرياً بعملياتها في صعدة مع المتمردين الحوثيين، ومستنزفة سياسياً في مواجهة الاحتقان الشعبي في الجنوب، والمشكلات التي تثيرها أحزاب المعارضة، كما أن سواحل اليمن المطلة على بحرين تسمح بسهولة التسلل البحري في ظل صعوبة حراسة كل متر على الساحل، فضلا عن قربها من الصومال، الأمر الذي يجعل من القرصنة الصومالية مصدراً مالياً مهماً للعناصر الإرهابية، ففي عام 2008 فقط حصل القراصنة في الصومال وحدها على ما يزيد عن 45 مليون دولار فدية الإفراج عن السفن المختطفة، فأين ذهبت هذه الأموال في ظل تردي الوضع الاقتصادي في الصومال وتجمُّد التجارة الخارجية؟ إن المنفعة بين الإرهابيين والقراصنة متبادلة، من خلال توفير السلاح والذخائر ومواد الإعاشة مقابل المال، وهذا الأمر يسمح أيضاً بتدخل جهات خارجية لها مصلحة في إشغال دول منطقة الخليج بعيداً عن توجهاتها ومشروعاتها الاستراتيجية للمنطقة من جانب، ولتكون لها يد طولى في تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة من جانب آخر، لذا لم يكن مفاجئاً اعتراف السعودي محمد عتيق العوفي بتلقيه اتصالا من الحوثيين بإمداده بالمال الوفير والسلاح للقيام بعمليات داخل المملكة لصالح قوتين إقليميتين، ورغم أنه لم يسمهما إلا أنه يمكن للقارئ أن يستنتجهما. إن عودة "القاعدة" من باب اليمن هرباً من الضربات الموجعة التي لحقت بها في السعودية، يشير إلى احتمالات بدء مرحلة جديدة من العمليات الإرهابية ضد السعودية واليمن ودول خليجية أخرى، ربما بشعار معلن هو "محاربة الصليبيين واليهود والصهاينة لطردهم من أرض الإسلام"، أو "الانتقام منهم لما يفعلونه في فلسطين"، لكن الواقع يشير إلى أن العمليات الإرهابية التي جرت في منطقة الخليج وطالت الأبرياء وأحدثت خسائر مادية هائلة، كانت سبباً رئيسياً في تعرض الإسلام والمسلمين إلى اتهامات كان يصعب على الأعداء أن يصموهم بها، فضلا عن تعطيل استراتيجيات التنمية والتطوير. وإذا كان تنظيم "القاعدة" صناعة أجنبية لمواجهة السوفييت في أفغانستان، ثم انقلب السحر على الساحر ربما بسبب تقسيم الغنائم أو خروج التنظيم عن النص المكتوب، فإن الحقيقة الواضحة هي أن حملات التضليل الإعلامي لتبرير التدخل الأجنبي في المنطقة لا تكتسب مصداقية بالاعتماد على "التحذيرات" من هجمات وشيكة، بل تحتاج إلى حوادث "حقيقية" تضفي واقعية على الخطط الحربية الأميركية وتحركات الحلفاء. لذلك فإن أهمية الالتفات إلى الدور الجديد الذي يؤديه تنظيم "القاعدة" ضد دول المنطقة لصالح قوى أخرى، يفرض عليه القيام بعمليات إرهابية كبيرة، تضمن لهذه القوى تحقيق أهدافها وتجد المبرر لتنفيذها، خاصة أن التمرد الحوثي لم يكن بعيداً عن أيدي الحرس الثوري الإيراني، وكذلك الحال في أفغانستان، الأمر الذي دفع الرئيس الأميركي أوباما إلى أن يجعل من إيران طرفاً مهماً لإنقاذ الوضع المتدهور في أفغانستان عندما أعلن استراتيجيته الجديدة لمواجهة الإرهاب. لقد استُخدِمت التحذيرات الإرهابية والحوادث الإرهابية مبرراً لتحقيق أهداف عسكرية، واليوم تُستخدم لتحقيق أهداف سياسية ومصالح استراتيجية لدول أخرى على حساب أمن واستقرار المنطقة، ومن هنا نجد أن هناك ترابطاً بين الوضع في الصومال والعراق والسودان وما يحدث في جنوب الجزيرة العربية، فوقوع اليمن في الفوضى سيخلق قوساً جديداً من الأزمات على مدخل البحر الأحمر وخليج عدن، وقد يسمح بتفكيك الدول الواقعة في هذا القوس إلى دويلات أو كيانات متناحرة يصعب السيطرة عليها، ومن ثم تبدأ الفوضى في الانتشار إلى مناطق أخرى. إذا كانت بعض دول الخليج العربية قد استطاعت أن تحد من العمليات الإرهابية أو تمنعها، فإنه لا توجد ضمانات لاستمرار هذا الوضع سوى بتبني استراتيجية شاملة ومستمرة وحازمة لمواجهة التطرف والعنف والإرهاب، ومن المهم أن تكون البداية في الأسرة والمدرسة والجامعة، وعدم التهاون في هذا الأمر، فمسألة أن في بيتنا "مريضا بالتطرف" أقسى وأكثر تعقيداً في علاجه وضمان شفائه، من أن يكون مريضاً بمرض عادي أو مستعص أو حتى مدمن مواد مخدرة. وقد كشفت الأحداث عن عدم جدوى عملية "المناصحة" للإرهابيين، بعد أن عاد بعضهم إلى طريق الإرهاب، ما يفرض الحاجة إلى دراسة حالة كل مريض بالتطرف والعنف على حدة، وتقديم العلاج الذي يتناسب مع حالته. إن اليمن اليوم فوق صفيح ساخن، وتعجيل الإرهاب بجعله أفغانستان جديدة سوف يجعله شوكة في جسد الاستقرار والأمن في الخليج، وسوف يكون هذا الوضع لصالح من يرفع شعار الانفصال وتقسيم اليمن، وما سيترتب على ذلك من متوالية تراكمية لتفكيك دول أخرى، لذا فإن هناك حاجة أمنية خليجية لتقديم مساعدة لليمن اقتصادياً وأمنياً وسياسياً، تضمن عملية "تبريد الوضع".