في ظل الأزمة المالية التي تضرب أميركا حالياً والتداعيات الخطيرة التي تتكشف يوماً بعد يوم أجدني -وبعض زملائي في مجلس الشيوخ- مدافعاً بشدة عن خطة إنقاذ الاقتصاد التي تحدث عنها الرئيس أوباما في تصريحاته العلنية وخطاباته المتكررة وذلك لسبب واحد بسيط: أن الولايات المتحدة لا تملك ترف الانتظار وعدم التحرك مخافة استفحال الأزمة وصعوبة علاجها. فالأرقام الكبيرة التي بلغتها نسبة البطالة وأُعلن عنها يوم الجمعة الماضي وسط مخاوف واضحة من احتمال تصاعدها في الأشهر المقبلة، فضلًا عن التقارير التي تفيد بتراجع مداخيل الأسر واستمرار تعثر القطاع البنكي تؤكد أن أميركا ستغرق أكثر في الأزمة على مدى الستة أشهر القادمة إذا لم تتصدّ لها بالقوة المطلوبة ابتداءً من اللحظة الراهنة لأننا لو انتظرنا حتى ذلك الوقت ستكون تكلفة العلاج قد ارتفعت، وربما يكون الوقت قد فات. وبعد هذه الموجات المتتالية من الأخبار الاقتصادية السيئة خيمت على الأجواء حالة نفسية متشائمة، وتراجعت التوقعات بشأن خروج قريب من المأزق واستئناف الاقتصاد لعجلة النمو كما كان قبل فترة وجيزة، وبالنظر إلى الدور المحوري للاقتصاد الأميركي وتأثيره على باقي الدول انصرفت أنظار العالم إلى ما يجري في الولايات المتحدة والقرارات التي يتخذها مسؤولوها. كما أن الفشل في التحرك السريع والفعال سيكون مدمراً ليس فقط للشارع المالي، أو الشارع العام الأميركي، بل أيضاً لسائر البلدان التي تنتظر سياسة واضحة للخروج من الأزمة. وفي هذا الإطار جاء التشريع المعروف باسم مشروع قانون "المعتدلين" الذي تم التوصل إليه بعد نقاش مستفيض ومحتدم أحياناً داخل الكونجرس الأميركي من قبل الأعضاء سوزان كولينز وبين نيلسون وجو ليبرمان وبمشاركتي أيضاً، هذا القانون الذي يسعى إلى الحفاظ على الأهداف العامة التي حددها الرئيس أوباما والمتمثلة في خلق المزيد من الوظائف للأميركيين والتخفيف من ثقل الضرائب على شرائح واسعة من الشعب بما يحفز على الاستهلاك وينشط الاقتصاد. ولكن في الوقت نفسه قمنا بحذف بعض البنود الخلافية التي وإن كانت مهمة في حد ذاتها، إلا أنه يمكن تركها للجان الخاصة بالاعتمادات المالية داخل الكونجرس. وهكذا سيساهم المبلغ الذي اتُفق عليه في عملية الإنقاذ والمقدر بـ780 مليار دولار في استحداث أربعة ملايين فرصة عمل للتعويض عن 3.6 مليون وظيفة فُقدت منذ ديسمبر من عام 2007، غير أن المشروع الحالي المطروح أمام الكونجرس حذفت منه 110 مليارات دولار بعدما كان المبلغ الأصلي يصل إلى 890 ملياراً والذي كان في الحقيقة سيتجاوز حتى ذلك الرقم ليبلغ في الأخير 940 مليار دولار لو أضفنا إليه المخصصات الأخرى وتكاليف التعديلات المزمع إدخالها على ضرائب القروض سواء تعلق الأمر بقروض السيارات، أو المنازل، دون أن ننسى مصاريف المؤسسة الوطنية للصحة. لكن رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، كانت واضحة في أن أي اقتطاعات أخرى من المبلغ المقترح لخطة الإنقاذ الاقتصادي "ستلحق ضرراً كبيراً بجهودنا الموجهة للمستقبل"، لاسيما فيما يتعلق بالتعليم. وفي الحقيقة كان تصريحها بمثابة تحذير للمحافظين المتوجسين كعادتهم من التدخل الحكومي والإتفاق على القطاعات الأساسية، وكأنها تريد القول إن أي تقليص في مبلغ خطة الإنقاذ لن يمرره مجلس النواب. وهذا التصريح هو أيضاً دليل على الصعوبات التي واجهها بعض أعضاء الكونجرس ممن بات يطلق عليهم "المعتدلون" ليقروا قانون خطة الإنقاذ بصيغته الحالية. وفي حال تمت عرقلة مشروع القانون فلن تحصل برامج التعليم على أي تمويل لمشاريعها، فمع أن المعتدلين داخل الكونجرس وافقوا على اعتمادات أقل ضمن مشروع القانون المعدل مقارنة مع صيغته الأولى التي سبق أن اقترحها مجلسا الشيوخ والنواب، إلا أن الاعتمادات الحالية وإن كانت أقل من المطلوب تبقى أفضل من لا شيء كما يسعى إلى ذلك المحافظون المتشددون داخل الكونجرس. فقد كانت الاعتمادات المالية التي وافق عليها مجلسا الكونجرس الأميركي حاسمة في تخصيص مليارات الدولارات لبرامج الوقاية الصحية، بما فيها تلك المتعلقة بالتدخين وإجراء الفحوصات قبل الولادة والاستشارات الطبية والتطعيم، لكن مع الأسف لم يتمكن المعتدلون داخل الكونجرس في صراعهم مع المحافظين على وجه الخصوص من الحفاظ على النسخة الأولى للقانون فتم إلغاء الاعتمادات المخصصة للبرامج الصحية على أن تتولاها لجنة المخصصات المالية لاحقاً. وهنا أتذكر قولًا مأثوراً للرئيس جون كينيدي قال فيه: "في السياسة لا أحد يحصل على كل شيء ولا أحد يحصل على لا شيء، إنما الجميع يحصل على شيء ما" فقد حاولت أنا وزملائي داخل الكونجرس إقامة توازن دقيق وصعب بين اليسار واليمين والحساسيات المحسوبة على كل منهما، لأن ما يهم في النهاية هو التحرك بسرعة من أجل إنقاذ الاقتصاد. وفي هذا السياق يمثل مشروع القانون النهائي الذي توصل إليه المعتدلون في أروقة الكونجرس والذي سيطرح للتصويت أفضل ما يمكن الحصول عليه وتمريره دون مشاكل. -------- آرلن سبيكتر سيناتور "جمهوري" أميركي -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"