رشق صحفي عراقي لرئيس الولايات المتحدة بحذائه سيترك صورة دائمة، وإنْ تكن غريبة، عن وضع الحرية في العراق...لكن الأمر المؤكد هو أن الانتخابات المتعددة المقرر عقدها العام المقبل في هذا البلد، ستترك صوراً مختلفة عن ذلك تماماً، كما أنها ستُبين بشكل محدد، ما إذا كانت ديمقراطية هناك ستتعزز أم أنها ستنفجر من داخلها. وإذا ما كانت إدارة أوباما تريد أن ترى صوراً أخرى غير صور الأحذية الطائرة في ديسمبر2009، فمن الأفضل لها أن تولي تلك المسألة - الانتخابات -اهتمامها. وبحسب "المعهد الجمهوري الدولي"، يمكن للعراق أن يعقد ما يمكن أن يصل إلى عشرة انتخابات العام المقبل، وهو عدد يفوق عدد الانتخابات التي ستعقد في دول العالم العربي مجتمعة في ذلك العام. وتتوزع هذه الانتخابات ما بين إقليمية، وبلدية، وانتخابات لمجالس المناطق الإدارية، واستفتاء على الإتفاقية الأمنية الموقعة مع الولايات المتحدة، وآخر محتمل عن وضع كركوك، وثالث حول ما إذا كان سكان البصرة يريدون تكوين منطقة تتمتع بالحكم الذاتي في الجنوب على شاكلة تلك الموجودة في كردستان، وفي النهاية هناك الانتخابات البرلمانية التي ستعقد قرب نهاية ذلك العام. وكل انتخاب من تلك الانتخابات، سيقدم إجابة عن سؤال حرج من الأسئلة المتعلقة بمستقبل العراق من مثل: هل يمكن للعراق التحرر من أسر الطائفية التي تشل حركته؟...وهل يمكن للسُنة الموجودين في غرب العراق الانضمام مجددا للعملية السياسية التي انسحبوا منها عام 2005؟...وهل ستتمكن الحكومات المحلية من استخلاص قدر أكبر من الاستقلال عن الحكومة المركزية؟... هل ستكون هناك مناطق فيدرالية أخرى في العراق غير كردستان؟...وهل يمكن تجنب نزاع مشابه لنزاع سراييفو حول كركوك؟... هل سيكون هناك انتقال سلمي للسلطة من مجموعة من السياسيين إلى مجموعة أخرى؟ إيجاد إجابات على تلك الأسئلة لن يكون بالأمر السهل، لأن كل سؤال منها ينطوي على مخاطر وصعوبات للحكومة الحالية وللولايات المتحدة، التي تأمل في الخروج من العراق بحلول عام 2011 ـ إن لم يكن قبل ذلك. بخلاف التخطيط للبدء في عملية التخفيض التدريجي لقوات الولايات المتحدة، لم يعط فريق أوباما الانتقالي سوى القليل من المؤشرات عن الأهداف التي يتوخى تحقيقها في العراق عام 2009، وعلى الكيفية التي سيتم بها اختيار الأطقم التي ستعمل على تحقيقها، والتي سيتم بها الإجابة على بعض الأسئلة المتعلقة برأي الإدارة في مسألة الاستفتاء على وضع البصرة مثلًا، خصوصا أنه في حالة التصويت بالموافقة على الحكم الذاتي للبصرة، فإن نتيجة ذلك التصويت قد تقود في نهاية المطاف إلى تقسيم العراق على النحو الذي دعا إليه "جو بايدن" نائب رئيس الولايات المتحدة المنتخب عندما كان لا يزال عضواً بمجلس الشيوخ. وهناك إلى جانب ذلك السؤال المتعلق برؤية الإدارة بشأن التغيير المطلوب بشدة في قانون الانتخابات البرلمانية العراقي، والذي لو ظل كما هو، فإن ذلك سيعني أن الأحزاب الطائفية ستستمر في الهيمنة على بغداد. ولا يتوقف الأمر عند ذلك فهناك أسئلة أخرى مثل:إذا ما هددت الميليشيات والمتمردون بتخريب انتخابات ديسمبر البرلمانية، فهل ستسعى إدارة أوباما إلى تأمين تلك الانتخابات حتى لو كانت القوات الأميركية قد خرجت بالفعل من المدن؟ وهل سيقوم فريق الأمن القومي الكبير العدد برئاسة نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، بتنسيق السياسات وتقديم المقترحات للرئيس، أم أن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون هي التي ستقوم بذلك؟.. هل سيكون هناك سفير أميركي مزود بصلاحيات كبيرة ولا يقل قدرة عن السفير الحالي" رايان كروكر"، أم أنه سيسمح بترك هذه الوظيفة الشاغرة معلقة لبعض الوقت؟ كل سؤال من تلك الأسئلة سيكون بحاجة إلى إجابة فورية- قبل أن يقدم العراقيون إجاباتهم الانتخابية. هناك الكثيرون ممن يعملون تحت وهم أن الديمقراطية في العراق هي من نتاج خيال الرئيس بوش الأيديولوجي، لكن الحقيقة هي أن العملية السياسية العراقية لا تزال هي الأمل الوحيد المطروح أمام الحكومة الهشة لهذه الدولة للتوصل إلى قرارات بشأن مستقبلها. لذلك ما لم تبين إدارة أوباما التزامها بالديمقراطية في العراق، وتعمل من أجل الدفاع عن المكاسب التي تحققت، فإنها قد ترسل إشارة غير مقصودة بأنها تهتم بتحقيق الاستقرار في حد ذاته بدرجة تفوق اهتمامها بالكيفية التي يمكن بها تحقيق هذا الاستقرار. ويجب أن ندرك أنه إذا ما تم التخلي عن السياسة، فإن قوة البندقية فقط هي التي ستبقى، وهو احتمال مقلق في دولة مُعسكرة مثل العراق. فوفقا لـ"مؤشر العراق الذي ينشره معهد "بروكنجز"، يبلغ عدد قوات الأمن العراقية حالياً 558,279 جنديا بالمقارنة لعدد السكان الذي يبلغ 29 مليون نسمة. ويمكن أن يُضاف إلى هذا الرقم 106,000 من مقاتلي البشمركة الأكراد وكذلك 100,000 من مقاتلي"أبناء العراق" وحوالي 60,000 مقاتل من ميليشيا الصدر. السياسة إذا ما أخفقت، فإن الحرب- كما علمنا "كارل فون كلاوزفيتز"- ولا شيء غيرها ستكون استكمالًا لها ولكن بوسائل أخرى. لقد ُانتقد الرئيس بوش لأنه خاطر برئاسته عندما غزا العراق 2003، ومن هنا، فإن أوباما يجب ألا يخاطر برئاسته من خلال عدم الانتباه لما سيجري في العراق عام 2009، لأن شيئًا مثل هذا لو حدث، فإن المخاطر خلال عام العراق الانتخابي ستكون كبيرة، لأوباما، وللشعب العراقي، والولايات المتحدة ذاتها. -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"