العالم الذي نعيش فيه غابة مليئة بالشر والظلم، وأتذكر ذلك اليوم الذي قرأت فيه كتاب "لعبة الأمم"، وهو لعميل استخباراتي أميركي اسمه "مايلز كوبلنز"، وكنا شباباً صغاراً لا نفهم في السياسة أكثر من فلاح في رياضيات التفاضل والتكامل! ومع الوقت صار العالم في أعيننا ليس بسماء زرقاء، وزهور حمراء، وبحرا أخضر تتكسر أمواجه على شاطئ بديع، بل فهمنا أن العالم عالم يعج بالثعابين والقتلة من كل شيطان مريد. وحين ختمت القرآن في رمضان 1429هـ (2008م)، وقفت طويلاً أمام سورة "الفلق" وما تضمنته من استعاذة من الشرور، وردت في كلام الله عز وجل والذي هو فالق الإصباح وفالق الحب والنوى. ولفت نظري تكرار الاستعاذة من الشر، مما فتح عيني على الشر في العالم: تأملوا: شر ما خلق.. شر غاسق إذا وقب (الليل والظلمات وما تحمل من مفاجآت) وشر النفاثات في العقد... المؤامرات التي تحاك في الظلام، وشر الحاسد... فرحماك يار ربي. ومن هذه الألعاب الممتعة في المنطقة هي لعبة أميركا مع الصنم النووي، والذي يعكف عليه الفرس في إيران، لبناء مجد كاذب من القوة... كما فعل بنو صهيون من قبل! وقصة إيران وأميركا هي مثل كل قصص العشاق، فبقدر انقلاب الحب إلى كراهية، قد تنقلب الكراهية إلى حب عظيم. وفي يوم ما كانت إيران محبوبة لأميركا، وهي الآن تغازلها من طرف خفي، فلو كان الشاه موجوداً لأعطوه السلاح، أما الفرس فلا بأس بهم إن أحسنوا لعبة القوة عند الحواف الحمراء.. إننا نعيش في العصر الإيراني الصهيوني الأميركي، وليس على الضعفاء من العرب سوى الصعود إلى مراكب القوة أملاً في النجاة من بحر طام وموج كالجبال، كما سارع بعضهم لاعتلاء محفة "قورش" عظيم الفرس، أو نية البعض الآخر في اللجوء للحضن الأميركي الدافئ! إن قراءة التاريخ ممتعة... ومن لم يستوعب دروس التاريخ يكرر أخطاءها مع الفائدة المركبة. ففي عام 1953 جاء (ذو الرأس الأسود) شفارتز كوبف الأب إلى إيران، فحقق انقلاباً على مصدق بقيمة خمسة ملايين دولار، قاده مجموعة من البوكسرجيه والزعران، في ظل غياب أمة ناضجة، وأرجعوا الشاه الفهلوي بالطبنجة والغدارة إلى العرش البهلوي. كما هو الحال في كثير من حكومات العالم، وقصة جورجيا ليست عنا ببعيد؟! ومن عصا فله العصا، كما فعلوا مع "توماس سانكارا" في بوركينا فاسو حين شذ فقتلوه، ورموا جثته في مكان مجهول، وأحرقوا كل وثائقه وبقاياه، ووضعوا له نصباً (بعد قتله!) فهم إليه يوفضون.. وتكرر الأمر مع الابن شفارتز كوبف من بعد في حرب الخليج، حين حرق في المطلع سبعين ألفاً من العراقيين المنسحبين، بعد أن نهبوا الكويت؛ فحملوا ما قل ثمنه وثقل حمله!! من لعب الأطفال والبرادات والسجاد، كما فعلت القوات السورية المظفرة خلال اجتياحها لبنان عام 1975. لكن احتلال لبنان سكتت عنه أميركا، وقالت لسوريا إن لم تدخلي دخلنا! وغضبت على العراق لاحتلاله الكويت، وزلزلت الأرض زلزالها.. وبالمقابل فقد أعدت ودبرت ونفذت انقلاباً للشاه، أما تسلح إيران النووي فهي غاضبة عاتبة إلا بالقدر المسموح كما هو الحال مع الهند وباكستان! وكل السلاح النووي خرافة كبيرة، في وقت ماتت فيه مؤسسة الحرب وتحول العتاد الحربي إلى خيل الإسبان الميتة، التي كانت تدفن سراً عن أعين المايا لاعتقادهم بألوهيتها، كما يعتقد الإيرانيون والعرب بألوهية السلاح والقوة، ولذا فهم لأميركا "عابدون"، وفي حلقاتها الصوفية يرقصون! وفي حفلة الأمجاد الفارسية جاء كارتر إلى الحفلة مع السيدة الأولى، فأكلوا في تلك الليلة لحم الطواوويس، ودلقوا الشمبانيا حتى أخذهم "الجرسونات" سكارى يترنحون! ولو أن الشاه بقي على العرش لاستمر يرسل الحملات ضد جيرانه، ويمتلك السلاح النووي كما امتلكته إسرائيل، ولكان بوش في زيارته للمنطقة مطلع عام 2008 قد زاره ووقف عند قبر والده وزوجاته المطهرات... قبل أن يزور أي بلد خليجي... إنها سخرية المصادفات وعجائب التاريخ!