من يطالع الصحف ويشاهد الفضائيات العربية، ويرَ الكم الهائل من الكتابة والحديث الذي لا ينقطع عن مطالبة الحكومات العربية بمنح المرأة العربية حقوقها، يشعر على الفور بوجود جور أو ظلم للمرأة في المجتمع العربي، وأن هذه المرأة مغلوبة على أمرها في مجتمع "ذكوري" ظالم لا ينظر للمرأة سوى على أنها أنثى وليست إنساناً له حقوق متساوية مع الرجل وله واجباته نفسها، فهي "نصف المجتمع". ولكن -وآه من لكن- الحقيقة والواقع يشيران إلى أن المرأة العربية هي "كل المجتمع" بعد أن اختزلت حقوق الرجل، وصادرت سلطاته، ونافسته في رزقه، بل وسخرته لخدمتها، فمعظم إن لم يكن كل مصممي أزياء المرأة في العالم من الرجال، يتفانون لراحتها وإرضاء ذوقها، وكذلك جميع القائمين على صناعة "أدوات" جمال المرأة من مساحيق تجميل وعطور وزيوت لكل سنتيمتر من خلاياها الغالية، كلهم من الرجال، بل إن أشهر وأفضل أطباء عمليات التجميل معظمهم من الرجال، وهم تحت إمرة النساء بلا استثناء لتنفيذ طلباتهن من تغيير أو تعديل أو تركيب أو إزالة أو نفخ أو شفط لأي جزء من أسلحة دمارهن الشامل ضد الرجل، ومن المدهش أن الذي يدفع دم قلبه من أجل رفع درجات استعداد وشحذ هذه الأسلحة هو الرجل طبعاً، لتصبح حواء أكثر إثارة وإغراء للمسكين المسلوب الإرادة الرجل أيضاً. وأفضل مصففي شعر النساء في العالم الذين يتبارون في كل عام لطرح أشكال غريبة ومثيرة وألوان أكثر غرابة لشعر النساء، هم رجال، وكذلك أفضل الطباخين وأشهر الطهاة في الكون من الرجال، ورغم ذلك لا زال الرجل يضحك على نفسه ويكرر المثل الشائع الذي ضحكت به النساء عليه أن "طريق المرأة إلى قلب الرجل معدته"، في حين أن ما يُطرب المعدة كان من اختراع رجل، أي أن الرجل يتفنن في إعداد الوجبات ويجهز الطبخة التي تضحك امرأة بها عليه. بل إن أحسن الشعر الذي قد قيل في حق المرأة جاء من رجل، كما أن المرأة تتغنى بكلمات الرجل ومن ألحانه، لأنه يشعر باللوعة والشوق والحب والكره والغدر والحنين والقرب والبعد، فهو هائم بتقديس المرأة، سواء أحبته أو هجرته، وفي جميع الأحوال تردد المرأة ذلك وكأنه من كلامها، والغريب أن الرجل يصدقها فكأنما كتب الكلام بنفسه ولنفسه، وعندما تأتي شهرة للمغنية يتناسى المستمعون الرجل الذي كتب الكلمات ولحن وقام بتوزيع الموسيقى. وقبل أن يتهمنا أحد بأننا من أعداء "النسائية" على وزن "السامية"، ويستعدي علينا العالم بأسره، وربما يجتمع مجلس الأمن لفرض عقوبات علينا، سوف يسارع بوش الصغير، وهو رجل، إلى تطبيقها دون تفكير مثلما فعل في كثير من المواقف لصالح الدولة العبرية، ومن ثم يلحق بنا الضرر دون سبب حقيقي، فإن الحقائق الدامغة تشير إلى أننا نعيش في "مجتمع أنثوي" وليس ذكورياً، وهو المصطلح الذي زرعته المرأة في عقل الرجل لتمنعه من التفكير فيما بلغته من هيمنة وسيطرة عليه. يقوم المجتمع العربي على خدمة المرأة من المهد إلى اللحد، فهي تحكم ولا تملك، تسيطر ولا تقود، تأمر وتنهي دون ضجيج، وتتآمر وتنفذ دون حسيب، على كائن اسمه الرجل، عاش في وهم أنه المسيطر وصاحب الكلمة العليا والنهائية في كل أمور حياته. وبداية المجتمع الأنثوي تتكون في الأسرة، النواة الأولى للمجتمع، فالمرأة في الأسرة سواء الأم أو الأخت أو الابنة لها أن تأمر ويستجيب الجميع، فهي التي تستولي كل شهر على الراتب أو الدخل وتقرِّر بنفسها أوجه الصرف ولا يملك أحد حق الاعتراض أو الفيتو، وإذا "خلصت البيزات" فعلى الرجل تدبُّر الأمر، وهي دائماً التي تملك المعلومات الاستخباراتية "المؤكدة" عن كل ما يفعله الرجل، لذا فإن قراراتها وأوامرها لا تقبل النقض أو إعادة النظر، وعلى الرجل الانصياع وإلا فإن حياته ستصبح جهنم وبئس المصير، يقول الحق سبحانه وتعالى: "إن كيدهن عظيم" (سورة يوسف، آية 28). وإذا كانت المرأة عاملة فإن لأنوثتها مكانة خاصة عند الرجل، فهي تفرض حضورها الطاغي على كل العاملين مستغلة أسلحتها كأنثى سواء في الهجوم أو الدفاع أو المهادنة أو الخداع حتى تصل إلى كرسي السلطة وهنا تظهر حقيقة الأنثى في الهيمنة والسيطرة وعدم قبول الرأي الآخر، ويجب ألا يعتقد البعض أن ذلك سيكون موجهاً للرجال فقط، بل أيضاً لأي أنثى أخرى تحت القيادة حتى لا تفكر ولو للحظة أنها ستأخذ مكان الأخرى. والتشريعات والقوانين المنظمة للعمل جميعها لصالح المرأة، فالحمل له راحات، والإنجاب له إجازات، والرضاعة لها ساعات مستقطعة من العمل، والجميع يجب أن يتجنب أي انفعال لها فهو يؤثر عليها وعلى حملها لا قدر الله، وهذا الأمر تستفيد منه حواء إلى أقصى حد ممكن، حيث يقوم زملاؤها من الرجال على خدمتها تقديراً لظروفها، بل ويبحثون عن الأعذار لتقليل عبء العمل عليها، أما الزوج فهو في خدمة الزوجة الحامل وحملها، وعليه ألا يتبرم أو يتذمر تحت أي ظرف. في جميع الظروف يجري اختزال حقوق الرجل في التعبير والرأي والخروج والدخول والنوم واليقظة، فهو مسير وليس مخيراً في خدمة المرأة، والتي تتصنع دائماً أنها مكسورة الخاطر، ولا يدري أي أحد كيف انكسر هذا الخاطر وهي السيد الآمر الناهي في كل شيء. وهنا نتذكر أن الأم هي المسؤولة عن الأسرة، لذلك هي المدرسة الأولى التي يتعلم في كنفها الرجل كيف يتعامل مع المجتمع، فإذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق، لذلك تضع الابن تحت أقدامها ليضمن دخول الجنة، وهي المسؤولة عن إرضاعه حب الأسرة وتقديس الوطن، وهي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في اختيار شريكة حياته، ثم تتفنن في تعذيبها، فكيف تربي وتتعب من أجل جعل هذا الصبي "رجلاً" لتأخذه ببساطة أنثى أخرى، ومن ثم يصبح الرجل لعبة المرأتين، فهو بين سندان الزوجة ومطرقة الأم، لا مفر ولا مخرج، والويل كل الويل لو أصبحت مديرته في العمل أنثى، سيكون أمامه ثلاثة طرق لا رابع لها: الجنون أو الاستسلام أو الموت كمداً. المجتمع الأنثوي لا يرحم، ويرتكز في تعامله مع المجتمع على عدة مقومات من أهمها: ? إيهام المجتمع بأن الرجل هو المسيطر، حتى تستطيع تمرير ما تريد وقتما تريد على اعتبار أنها النصف المغلوب على أمره، فعلى الرجل أن يتباسط بعض الشيء في طلباتها. ? تسخير الرجل لخدمتها من حيث الشكل أو الملبس أو المأكل أو الترفيه، عن طريق إقناعه بأن ذلك كله يعود إليه في النهاية، فهو يقوم بما يقوم به لصالحه، وهي الضحية. ? التكرار المستمر وفي جميع الأوقات وتحت مختلف الظروف لمقولة فقدان المرأة لحقوقها، حتى يصدقها الرجل ويقتنع بها ويشعر دائماً بأنه المتجبِّر والظالم للأنثى وعليه العمل ليل نهار لرفع هذا الظلم بأي طريقة، ومن ثم لا يجد الوقت ليفكر يوماً في حقيقة الوضع وأنه ضحية للأنثى وأن حقوقه هي المنقوصة. ? الشكوى الدائمة من الرجل سواء الوالد أو الأخ أو المدرس أو الزوج أو المدير أو الزميل، بأسباب واهية تتفنن في صياغتها، حتى تصبح محور حديث الجميع، ويسقط عنهم حق الاعتراض على أي شيء يخصها، فقد أصبحوا جميعاً خصوماً لا تُقبل شهادتهم أو دفاعهم. ? الاتهام الجاهز دائماً بتقصير المجتمع تجاه المرأة ونكرانه لتضحياتها ونسيانه لدورها وأنها نصف المجتمع، وبهذا الزعم تبتلع المجتمع كله، الذي يسارع بشتى الطرق للدفاع عن نفسه. لكن ليت الأمر يقف عند هذا الحد، فالمجتمع الأنثوي لا ينسى أنها الشجرة المثمرة التي تزيد من حجم المجتمع، لذا فعلى الرجل أن يوفر لها كل أسباب الراحة، من مهر وذهب وثياب وتجهيزات وحفل زفاف ومنزل وخادمة، فيستدين ويغرق إلى أذنيه وهو أمر مطلوب حتى لا يجرؤ على التفكير. المرأة العربية اليوم لا تنقصها أية حقوق لكن ينقصها القيام بالكثير من الواجبات، فهي المدرسة الأولى لأبنائها، وهي حامية حمى التقاليد والأعراف، وهي المسؤولة الأولى عن الحفاظ على الأسرة، لذلك بات عليها أن تقوم بواجباتها نحو أسرتها أولاً قبل أن تبحث عن حقوقها في المجتمع، وهذه ليست دعوة لأن يكون مكان المرأة المنزل بقدر ما هي تذكير بأن دور المرأة الوطني تجاه أسرتها لا يقل أهمية في بحثها عن إثبات ذاتها... فرفقاً يا قوارير برجالكن.