أدى الارتفاع الدراماتيكي في أسعار الطاقة خلال العام الماضي إلى ارتفاع لا يقل دراماتيكية في أسعار المواد الغذائية في مختلف أنحاء العالم. والشيء الذي يفاقم من حدة الأزمة هو تأثيرات التغير المناخي على الزراعة. فالتغير المناخي هو الذي يؤدي إلى حدوث الجفاف والفيضانات وغيرهما من الكوارث المناخية التي عادة ما تعوق عملية إنتاج الغذاء في مناطق عديدة من العالم. ومع انتشار اضطرابات ومظاهرات الشوارع، فإن القادة السياسيين يخشون أن تؤدي أي زيادات إضافية في أسعار المواد الغذائية، إلى تفاقم الغضب، والإحباط الشعبي الذي يمكن أن ينفجر ليطيح بالحكومات في مختلف دول العالم النامي، ومن ثم حدوث عواقب ضارة للحضارة الإنسانية. وأزمة الغذاء العالمية، سرعان ما تحولت من تحدٍ إنساني إلى مسألة أمن عالمي. في هذا الإطار، عقدت عدة مؤتمرات للغذاء في الأسابيع الأخيرة. ففي مؤتمر قمة "الفاو"، في شهر يونيو، اجتمع أربعة آلاف ممثل لـ180 دولة، بينهم رؤساء دول، وقادة أعمال، وممثلون لمنظمات مدنية... بغرض مناقشة أزمة الطعام، والتغير المناخي، والطاقة. ورغم الدعاية التي أحيط بها المؤتمر، فإن الزعماء المشاركين لم يناقشوا الأسباب الجوهرية للأزمة، ولا حتى الكيفية التي تؤثر بها السياسات الزراعية على التغير المناخي. كما تبين أيضاً أن "الفيل الذي في الغرفة"، ليس في الحقيقة سوى "بقرة" لا يبدو أن أحداً راغباً في رؤيتها، أو حتى لفت انتباه الآخرين إلى وجودها. فمن الثابت أن صناعة اللحوم، تلتهم ما يزيد على ثلث مساحة الأراضي الزراعية، كما تلتهم أيضاً كميات ضخمة من احتياطيات الوقود الأحفوري العالمية، وذلك من أجل شريحة صغيره من سكان العالم، تريد أن تتناول ما يحلو لها من أصناف الطعام، وعلى رأسها اللحوم، ولا تبالي بما إذا كان ذلك سيؤدي إلى معاناة نسبة كبيرة من سكان العالم جراء المجاعة وسوء التغذية. ومع استمرار ارتفاع أسعار النفط، فإن الهوة بين الأغنياء والفقراء سوف تزداد خطورة، بما يؤدي في نهاية المطاف إلى تقسيم العالم بشكل حاد إلى أقلية نهمة، وأغلبية جائعة. ومما يفاقم من حدة هذه المشكلة، أن إنتاج اللحم يمثل ثاني أهم سبب من أسباب التغير المناخي (لا أحد يتحدث عن ذلك) رغم أن الحضارة الإنسانية لن تكون قادرة على الاستمرار، دون إجراء عملية إعادة توجيه جوهرية للنظام الغذائي الخاص بالشرائح الأكثر ثراءً في العالم. وفيما يلي الحقائق المتعلقة بهذا الموضوع: إن الزيادة الدراماتيكية في أسعار النفط، لعبت دوراً مهماً في زيادة أسعار المحاصيل الأساسية خلال الأعوام الأخيرة. فالإنتاج الزراعي المعاصر يعتمد بشكل كبير على منتجات النفط وعلى مشتقات الوقود الأحفوري في كل مرحلة من مراحل إنتاج الغذاء؛ فالبتروكيمياوات مثلاً تُستخدم في صناعة الأسمدة، والمبيدات الحشرية، ومواد التغليف، والبنزين يستخدم من أجل تشغيل معدات وماكينات الزراعة، ولنقل المواد الغذائية للأسواق النائية. وهكذا يؤدي ارتفاع أسعار الوقود إلى رفع أسعار المحاصيل الزراعية في مختلف أنحاء العالم. وفي هذا السياق ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 54% خلال الإثنى عشر شهراً الماضية، كما أن أسعار الحبوب ارتفعت بنسبة 92% خلال الفترة ذاتها، أما أسعار الأرز والقمح فتضاعفت خلال عام واحد. وبالنسبة لـ2.7 مليار إنسان يعيشون على أقل من دولارين في اليوم، فإن ارتفاع أسعار المواد الغذائية بهذا القدر يقلب ميزان حياتهم رأساً على عقب. فبعد أن كانوا قادرين على العيش بالكاد، فإن ارتفاع أسعار تلك المواد يمكن أن يدفع بهم إلى حافة المجاعة، بل وقد يعرضهم أيضاً لخطر الموت. ويقول "جاك ضيوف" المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة "الفاو"، إنه يوجد في العالم حالياً 862 مليون إنسان لا يملكون الوسائل الكافية للحصول على الطعام. والعديد من الخبراء يرجعون السبب في ذلك إلى الارتفاعات المتوالية في أسعار الطاقة، وإلى تخصيص مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية لإنتاج المحاصيل التي تستخدم لإنتاج الوقود الحيوي. معنى ذلك أن الاستخدام المتزايد للأراضي الزراعية من أجل إنتاج الوقود الحيوي، يؤدي بالتبعية إلى رفع كلفة إنتاج المحاصيل، وهو ما يحصر الموضوع كله أخيراً بالسؤال التالي: هل يجدر بنا أن نغذي السيارات أم أن نغذي البشر أولاً؟ يقودنا ذلك إلى النقطة المركزية التي لم نعالجها، وهي أنه مع تواصل ارتفاع أسعار النفط، وبالتالي توقع ارتفاع أسعار الغذاء في السنوات القادمة، يكون السؤال هنا هو: هل نقدم الحبوب كغذاء للحيوانات أم نقدمها للبشر؟ هذا في رأيي هو السؤال الذي يبدو أن لا أحد من زعماء العالم مستعد للالتفات إليه. وأهمية السؤال تتضح إذا ما عرفنا أن تقريراً نشرته "الفاو" قد بين أنه في عام 2002 فقط بلغ حجم الحبوب التي قدمت كعلف للماشية 670 مليون طن، وهو ما يمثل ثلث إنتاج العالم من الحبوب ذلك العام. ونشرت "الفاو" أيضاً دراسة توقعت فيها أن يتضاعف إنتاج العالم من اللحوم في 2030، ما يعني أن دول العالم ستخصص مزيداً من المساحات الزراعية لإنتاج الأعلاف، أي أن المشكلة ستزداد تفاقماً. وآثار هذه المشكلة لن تقتصر على إضافة ملايين الجياع، بل إن زيادة إنتاج الحبوب التي تستخدم علفاً للماشية، ستؤدي إلى زيادة استهلاك اللحوم، الطبيعية والمصنعة، وهو ما ستكون نتيجته زيادة في استخدام الطاقة، وزيادة في الاحتباس الحراري. وهذه أيضاً مشكلة لم يبدُ أن أحداً في قمة الغذاء كان مستعداً للحديث عنها. في الوقت الذي نشتكي فيه من عدم كفاءة الطاقة، ومن عوادم الغاز التي تنفثها السيارات الرياضية الكبيرة، فإن الموضوع الأهم من ذلك هو الآثار التي ستترتب على تحول أعداد كبيرة من البشر إلى نظام غذائي يقوم بشكل رئيسي على استهلاك اللحوم. وتبدو أهمية المشكلة لو عرفنا أن الفدان المخصص لزراعة الحبوب ينتج كمية من البروتين تفوق بخمسة أضعاف كمية البروتين التي ينتجها فدان مخصص لتربية الماشية. ففدان البقول مثلاً ينتج كمية من البروتين تزيد عشر مرات عن الفدان المخصص لتربية الماشية، والخضروات ذات الأوراق تنتج بروتينا يزيد 15 ضعفاً عما ينتجه ذلك الفدان. والمعاني الضمنية لتقرير الفاو واضحة، وهي أن الوقت قد حان لاستنباط وسائل تقنية جديدة، لتقليل الآثار السلبية على المناخ الناتجة عن التوسع في تربية الماشية، وإنتاج اللحوم، وضرورة التفكير في فرض ضريبة على الأراضي المزروعة بعلف الماشية للتقليل من استهلاك اللحوم، وفرض ضريبة على إنتاج واستهلاك اللحوم ذاتها، وتحرير أجزاء كبيرة من الأراضي الزراعية التي تستخدم في الوقت الراهن لإنتاج علف الماشية أو لتربية الماشية ذاتها. يجب علينا أيضاً تشجيع الجهود اللازمة لفطام الزراعة عن أنواع الوقود الحفائري والنواتج الكيماوية، بما ذلك تقنية إنتاج الطعام المعدل جينياً، والتحول نحو الإنتاج العضوي والتوفيق بين الاعتبارات الزراعية والبيئية، وتخفيف تكلفة زراعة المواد الغذائية. إن تصميمنا على الحد من استهلاك الطاقة، وتقليل بصمتنا الحرارية العالمية في المباني والنقل، يجب أن يكون مقروناً بالتزام لا يقل جسارة في ممارستنا الزراعية. وفي النهاية فإن التحول من إنتاج العلف إلى إنتاج المحاصيل الزراعية الغذائية، والتحول من الزراعة القائمة على استخدام كمية كبيرة من الكيماويات، والتحول إلى الزراعة العضوية، تمثل الوسائل الطويلة الأمد لعلاج التحدي الثنائي الذي نواجهه، والمتمثل في أزمة الغذاء العالمية وأزمة التغير المناخي. والمستهلكون الأغنياء والموسرون في مختلف أنحاء العالم، بحاجة الآن إلى اعتماد خيارات غذائية عاقلة بالنيابة عن إخوانهم في البشرية، ولصالحهم في ذات الوقت، وأيضاً لصالح الكوكب الذي نعيش فيه معاً.