نشر القيادي في حركة "حماس" الفلسطينية، محمود الزهّار، يوم الخميس الفائت مقالة مفاجئة، في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، لم يستخدمها لإقناع القارئ الأميركي بشعار "حماس" تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، أو ليوضح لماذا أصرت "حماس" على هذا المبدأ مطولاً إلى درجة الوقوف في وجه منظمة التحرير الفلسطينية، وإلى درجة تخوين قيادتها لسيرها في المفاوضات، ومواجهة المفاوضات بمواكب من الاستشهاديين، بل وضع شرطاً غريباً للمفاوضات، هو مشاركة "حماس" فيها. فمقاله لم يكن بعنوان مثل "شروط السلام"، أو "شروط المفاوضات"، بل كان "لا سلام بلا حماس". وقال إنّ أي "مفكر غير فاسد يجب أن يستنتج: أنّه لا (خطة سلام)، ولا (خريطة طريق)، ولا (اتفاقات سابقة legacy)، يمكن أن تنجح، إلا إذا كنّا نجلس على طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة". والقارئ لكلمات الزهّار لابد أن يتساءل: هل يقصد الزهار أنّ مشكلة المفاوضات وخطط السلام وخريطة الطريق هي عدم مشاركة "حماس" فيها؟ وأن سبب معارضة هذا كله كان عدم مشاركة "حماس"؟ تبدو كلمات الزهار غير مفهومة، عندما يقول إنّه لابد من الجلوس للتفاوض مع "حماس" دون شروط مسبقة، ثم يطلب من الإسرائيليين، الانسحاب إلى حدود حزيران 1967، وتفكيك المستوطنات، وإنهاء أي وجود عسكري في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإنهاء الضم غير المشروع للقدس، وإطلاق الأسرى، وإنهاء الإغلاق للحدود الدولية، على أن يكون ذلك هو النقطة الأولى للتفاوض على موضوع عودة اللاجئين. أي بكلمات أخرى، يعرض الزهار اتفاقاً شبيهاً بما أصرت عليه مطولاً منظمة التحرير، ولكن مع عرض تأجيل قضية اللاجئين. وإذا كان الزهار يقصد أن يكون غامضاً في بعض القضايا فإنه ألمح بوضوح للمجتمع الإسرائيلي بقبول حركته السلام معه، والتعايش إلى جانبه، عندما قال إنّه يتذكر ولديه الشهيدين، ويفكر فيهما "كأي أب في أي مكان، حتى في إسرائيل"، وعندما قال: "إنّ ثقافة إسرائيل الإسبارطية للحرب الدائمة ضعيفة أمام الزمن والإنهاك والديموجرافيا، وإن المسألة تتعلق في نهاية الأمر بأبنائنا وبمن سيأتون بعدنا". وهنا يحار المرء هل يدعو الزهار إسرائيل لتغيير ثقافتها بثقافة مسالمة لتضمن الحياة؟ أم أنّه يقول إنه يعرض اتفاقاً يتم بموجبه إنهاء استخدام المواجهة العنيفة مع ترك القضية لعوامل الديموجرافيا وأدوات أخرى لإزالة إسرائيل؟ موقف الزهّار غير بعيد من موقف خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، الذي أعلن عقب لقاءاته مع الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر: "قبول الحركة بدولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967، عاصمتها القدس بسيادة حقيقية وبلا أي مستوطنات ومع حق عودة اللاجئين كاملاً، وبدون الاعتراف بإسرائيل". وكلا الموقفين غير بعيد من موقف منظمة التحرير، للحل، خصوصاً في الفترة التي سبقت المفاوضات، عندما كانت تطالب فيها بأن ينظر لها على أنّها شريك في المفاوضات، ولم يبق اختلاف في الموقف الراهن للطرفين، سوى مسألة الاعتراف الدبلوماسي، أما الاعتراف الضمني فواضح عند "حماس". أمّا اشتراط الزهّار إقامة الدولة الفلسطينية قبل بدء المفاوضات، فهو شرط نظري وشكلي، والزهار ذاته يناقش حالياً شروط التهدئة مع إسرائيل إلى درجة إعلانه في مصر: "سنعمل على عدم العودة إلى غزة إلا بعد تحقيق التهدئة ورفع الحصار‏,‏ وأمامنا أيام قليلة حتى نستمع إلى كل الإجابات المطلوبة من الجانب الإسرائيلي"‏.‏ ومن التساؤلات التي تثيرها شروط الزهار مدى تعبيرها عن خطة متفق عليها في "حماس"، فمما يثير الانتباه أن موقع حركة "حماس" على الإنترنت (المركز الفلسطيني للإعلام) لم ينشر مقال الزهار، على رغم نشره تقريباً كل ما يصدر عن قيادات "حماس"، فهل المقالة موقف شخصي؟ أم بالون اختبار؟ وهل هناك خلاف في الحركة حول مضمونه؟ إن هذا التصور للاتفاق ليس بعيداً عما تطالب به منظمة التحرير، مع اختلاف واحد هو أن تكون "حماس" جزءاً منه! والسؤال: ماذا لو وافقت إسرائيل على ما تطلبه "حماس" باستثناء واحد، هو عدم وجود "حماس" في الاتفاق، فهل سيرفض الزهار ذلك؟ وهل مصير الشعب الفلسطيني مرهون بجلوس "حماس" على طاولة المفاوضات؟ aj.azem@gmail.com