صدقْ أو لا تُصدقْ: الأميركيون خائفون من الغزو الثقافي! كان هذا الخوف من ضمن نتائج استفتاء قامت به مؤسسة "بيو" الأميركية لاستطلاعات الرأي، وكان هدف الاستفتاء محاولة لفهم العلاقات بين العولمة والثقافات المحلية في أكثر من 46 دولة حول العالم. ولكن كانت النتيجة الأهم والأغرب، هي أن الأميركيين يعتقدون أنهم بدؤوا يشعرون بالخوف، تحديداً منذ خمس سنوات وزيادة، لتواجد الأجانب بينهم. وأنه على الرغم من ترحيبهم بالعولمة، لكنهم رفضوها عندما وجدوا أنها قد تتسبب في التأثير على هويتهم وحريتهم المكتسبة طوال عقود من الزمن. وقد أوضح الاستفتاء أن هناك اتفاقاً بين الشعوب، على أن العولمة والانفتاح التجاري وانتشار الرأسمالية، تفقدها ثقافاتها، وطالبت هذه الشعوب بضرورة حماية الثقافة الشعبية وخصوصيات كل مجتمع، واعتبار أن الثقافة الغربية وما تحتويه من مضامين إعلامية وأفلام سينمائية، ومسلسلات تعد اختراقاً لثقافة وقيم مجتمعات العالم الثالث التي رفضت بالإجماع، من خلال هذا الاستفتاء، الغزو الفكري والثقافي بأي شكل كان. وحتى الأميركي يخاف على قيمه ويخشى أن يفقد مجتمعه التدين المشهور به، ويخشى أن يفقد الدين قيمته لدى الأجيال الجديدة! بل يذهبون إلى أبعد من هذا، ويطالبون بتقنين التجنيس، وتحديد أعداد الأجانب المتوافدين على بلدهم. وضمن هذا الإطار، ركز مواطنو أغلب الدول التي أجري بها الاستفتاء- بما فيها دولة "البيرو" التي تعد من أفقر دول أميركا الجنوبية- على أهمية التشديد على التعامل مع المهاجرين. إذاً، هناك مخاوف تنتشر عبر القارات من غزو فكري أو هجرات بشرية، قد تؤثر سلباً على ثقافات المجتمع وقيمه، وعندما نطالب نحن بتقنين استقدام العمالة، وتقويم مضمون القنوات الفضائية، وتحديد الفئات المستحِقة للتجنيس، نُتهم بأننا مجتمع متعسف ورجعي وضد حقوق الإنسان! هل لأن علينا أن نكون الدولة "المشاع"، التي لا بد وأن تتصف بالعولمة حتى أخمص قناعاتها، ونفتح أبواب كل شيء على مصراعيه، وننكفئ على ذواتنا، ونفرح بهذا السيل العرم من الجرائم وضياع الحقوق، وانتهاء فرص العمل للمواطن، والاستغناء عن ثرواتنا البشرية في مقابل استيراد من لا يحمل الكفاءة المطلوبة، وأن نسبغ عليهم النعم والعطايا؟! كيف نُتهم بالعنصرية لأننا نطالب بحماية لغتنا وأصولنا الاجتماعية وقيمنا الدينية، في الوقت الذي يعلو فيه صوت الولايات المتحدة في تمسكها بالتدين والمناداة بالعودة إلى أخلاق الكنيسة ورفض تواجد الأجنبي حتى لا تفقد الدولة هويتها؟! الأمر يصب في خانة قناعات وإيمان مطلق بهذا المكان، وأننا لسنا وحدنا من أغلقنا أبواب الروح خشية أن تضيع هي الأخرى في مهب عاصف لا يُبقي ولا يذر. من أبسط حقوق الفرنسي أن يخاف على لغته، ومن أبسط حقوق البريطاني أن يخشى فقدان أسلوب حياته، ومن حق الإماراتي والخليجي أن يحمي أسواره بقلق الضياع لحظة نسيان قد تجر معها ويلات لا تحصى.