من الأشياء غير الاعتيادية في واشنطن أن يتم تأييد فكرة بشكل ساحق من قبل الرئيس، وبأغلبية من الحزبين في لجنة العلاقات الخارجية والقيادتين السياسية والعسكرية لـ"البنتاجون". ولكن هذا بالضبط هو ما حدث مع المقترح الخاص بما يعرف بفيلق الاحتياطي المدني، وهو عبارة عن مجموعات من الخبراء المدنيين تتمتع بالقدرة على العمل مع الجيش من أجل إنجاز الوظائف العاجلة الخاصة بتحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار في مراحل ما بعد الصراعات. ونظراً لأن إنشاء مثل هذا الفيلق يعد أمراً جوهرياً لأمننا القومي فإننا نقول إنه يتعين على مجلس الشيوخ أن يصدر التفويض اللازم بإنشائه. فعلى مدار فترة العقد ونصف العقد الماضية، تعلمت الولايات المتحدة أن بعضاً من أخطر التهديدات التي تواجه أمننا القومي لا تنبع فقط من الجيوش وترسانات الدول المعادية ولكن أيضاً من المؤسسات الهشة، والاقتصادات المتهاوية للدول الفقيرة التي تعاني من ضعف منظومة الحكم. كما تعلمنا أيضاً أن إحدى المهام الرئيسية للسياسة الخارجية الأميركية خلال المستقبل المنظور هي تلك الخاصة بدعم القادة والمسؤولين في الدول النامية، الذين يعملون من أجل بناء دول فعالة ومسالمة وحرة ومزدهرة. والاستجابة لهذه التحديات هي مهمة تقع في الأساس على عاتق المدنيين، أي أولئك الذين يمتلكون الخبرة والمعرفة الفنية في المجالات الآتية: سيادة القانون، الحوكمة، الزراعة، تدريب الشرطة، الاقتصاد، المالية، وغير ذلك من المجالات الحيوية. ومن المعروف أن وزارة الخارجية، ووكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية، تقومان في الوقت الراهن بجهود بطولية من أجل تلبية هذه الحاجة. ولكن الحقيقة هي أنه لا يوجد في الوقت الراهن أي جهاز دبلوماسي في العالم يضم بين صفوفه كافة الخبرات والكفاءات المطلوبة لهذا النوع من العمل. ونتيجة لذلك اضطرت حكومتنا بدءاً من الصومال إلى هاييتي إلى البوسنة وكوسوفو، والآن في العراق وأفغانستان، للاعتماد بشكل متزايد على جنودنا المحترفين سواء من الرجال أو النساء للاضطلاع بمسؤوليات مدنية. وفي الحقيقة أن العسكريين قد ملأوا هذا الفراغ بشكل يدعو للإعجاب، بيد أن ذلك لا يمنع من القول إنها مهمة مدنية في الأساس، وإن المدنيين هم الذين يجب أن يتقدموا كي يضطلعوا بها. ولذا فإن المسؤولية الأولية لمهمة تحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار في مراحل ما بعد الصراع يجب ألا تقع في النهاية على عاتق جنودنا من الرجال والنساء وإنما على عاتق متطوعين وخبراء مدنيين. وهذا تحديداً هو الذي دفع الرئيس بوش للدعوة لتأسيس فيلق الاحتياطي المدني المكون من متطوعين وذلك في خطابه عن "حال الاتحاد" لعام 2007 الذي قال فيه إن هذا الفيلق سيعمل على تخفيف العبء الواقع على القوات المسلحة من خلال توفير المدنيين، الذين يتمتعون بمهارات غاية في الأهمية، من أجل الاضطلاع بالمهام التي قد تحتاج أميركا للقيام بها في الخارج. وكل من وزارة الخارجية والبنتاجون يدعم هذا المبادرة. وعلى نفس المنوال اعترف مجلس الشيوخ بالحاجة إلى تكوين جهاز خاص ومستقل لتولي مسؤوليات إعادة الإعمار، كما وافق في العام الماضي، وبإجماع الآراء، على تأسيس ما يعرف بـ"فيلق الاستقرار وإعادة الأعمار" ضمن هيكل وزارة الخارجية. والتشريع المطروح أمام مجلس الشيوخ، سيحتاج إلى المزيد من الخطوات لتغطية كافة المسائل الإجرائية الخاصة بهذا المشروع الذي يتكون من ثلاثة أجزاء: الأول: يدعو إلى إنشاء فيلق مكون من 250 شخصا من المتخصصين في مجال الخدمة الخارجية، من وزارة الخارجية وهيئة الولايات المتحدة للتنمية، كي يتم تدريبهم مع القوات العسكرية، وتجهيزهم للانتشار في مناطق الصراعات. الثاني: التأسيس لجهاز مكون من 2000 متطوع فيدرالي يتمتعون بمهارات لغوية وفنية كي يكونوا على أهبة الاستعداد للعمل كاحتياطي جاهز. الثالث: تأسيس فيلق الاحتياطي المدني الذي دعا إليه الرئيس وهو عبارة عن مجموعة مكونة من 500 أميركي يتم تجميعهم من مختلف أنحاء البلاد من الأشخاص الذين يتمتعون بالخبرة والمهارات في مجالات مثل الهندسة والطب وأعمال الشرطة لتجهيزهم وإعدادهم للعمل بمهام محدودة عندما تستدعي الضرورة. وإذا ما تصرف الكونجرس سريعاً من الناحية الإجرائية فإن الإدارة قد تكون قادرة على نشر فيلق الاستقرار وإعادة التعمير في العراق وأفغانستان خلال وقت وجيز. بيد أنه يتعين علينا أن نعرف أن الصراعات المستقبلية مهمة أيضاً، وأنه إذا ما أردنا أن تكسب الولايات المتحدة حربها على الإرهاب، فإنه يجب علينا ألا نسمح لها بعد ذلك بالتعثر، أو أن تظل قادرة على حكم المناطق التي تتواجد بها قواتها في مراحل ما بعد الصراعات. لقد رأينا كيف يستطيع الإرهابيون استغلال الدول المبتلاة بمشكلات الخروج عن القانون وبالظروف الحياتية البائسة. ويجب أن تكون لدى الولايات المتحدة بنية غير عسكرية ملائمة تضم موارد وأفراداً مؤهلين ومدربين لاستخدامهم عند اللزوم في الحالات الطارئة على أن يكون معلوماً في ذات الوقت أن أي تأخير في الاستجابة من جانب الولايات المتحدة في مثل هذه الحالات يمكن أن يؤدي إلى الفشل. لقد خصص الكونجرس بالفعل 50 مليون دولار كتمويل أولي لهذا المشروع ومنح التفويض الخاص بزيادة هذا المخصص عند الحاجة، كما أن مسودة القانون تحظى بالدعم من جانب الحزبين مما يعني أنه يمكن تبنيه في وقت قصير. ولكن هذا المشروع يتم تعطيله الآن بناء على فرضية خاطئة مؤداها أن تلك المهمة يمكن إنجازها من خلال النظام والأفراد الموجودين بالفعل. وفي رأينا أن ذلك لا يتناسب سواء مع تجربتنا الحالية أو مع الحكم الذي توصل إليه جنرالاتنا وقائدنا الأعلى. إن الاستمرار في تحميل قواتنا العسكرية عبء وواجبات البناء أمر غير سليم، وهو ما يدفعنا لمطالبة الكونجرس بالوقوف إلى جانب قواتنا من خلال امدادها بالمدنيين الذين تحتاجهم. ــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"