لا توجد مؤشرات فعليّة على أنّ الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، يقدّم تنازلات حول ثوابت الحد الأدنى الفلسطيني، التي أصر عليها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، في مفاوضات كامب ديفيد، وطابا، عامي 2000 و2001، وهي عملياً ذات الثوابت التي أقرها المجلس الوطني الفلسطيني، في اجتماعه في الجزائر عام 1988، الذي ربما كان الاجتماع الأخير الحقيقي والفاعل للمجلس، وهذه الثوابت هي ذاتها جوهر المبادرة العربية للسلام. ولكن الغريب حقاً في الأداء الفلسطيني قبيل هذا المؤتمر، الذي أصبحت الشكوك تحوم حول انعقاده بسبب التعنت الإسرائيلي، هو طبيعة الاستعداد الفلسطيني على المستويات الشعبية، والتنظيمية، والدبلوماسية. فبنظرة مقارنة للآليات والخطوات التي كانت منظمة التحرير الفلسطينية، تتبنى فيها أي خطة أو مبادرة سياسية، في الماضي يتضح أنّه كانت تجري عمليات تمهيد واسعة للساحة الفلسطينية والدولية، فالبرنامج المرحلي لمنظمة التحرير، المقر في المجلس الوطني المنعقد بالقاهرة عام 1974، لم يعلن سوى بعد نقاش موسع فلسطينياً، وتشكيل لجان مختلفة من قادة الفصائل، وإعادة تشكيل اللجنة التنفيذية للمنظمة، وضمن عملية دبلوماسية متصاعدة توجت بالوقفة التاريخية لعرفات على منبر الأمم المتحدة، وخطابه الأشهر عن غصن الزيتون والبندقية. وكذلك الأمر مع إعلان الدولة الفلسطينية، عام 1988. لقد كانت الاستعدادات تشمل عقد المجلس الوطني الفلسطيني، والحوار مع الفصائل، والعمل على كسب تأييدها قدر الإمكان، وكانت تتم عملية تهيئة مكثفة للرأي العام الفلسطيني، فيتم أولاً العمل على إقناع أعضاء وأنصار حركة "فتح"، حتى تتحول الحركة إلى دعامة للمشروع السياسي في الشارع، مع العمل على تناغم الحركة الميدانية، وأوجه النضال الشعبي وتصعيد المقاومة بما يخدم البرنامج السياسي. ويمكن أن نتذكر الآن التعبير الذي ربما كان يبدو طريفاً آنذاك، والذي كان يطلقه ياسر عرفات بعبارته المشهورة أواخر الثمانينات: "هجوم السلام الفلسطيني"، هذا التعبير الذي يشير إلى مجموعة تحركات وسياسات يثير غيابها الآن حسرة شديدة، وتشاؤماً لإمكانية أي نجاح فلسطيني. يبدو المشهد الحالي كما لو كان فريق مفاوضات "أوسلو"، وما بعدها، والذي "يحفظه" الشارع الفلسطيني عن ظهر قلب، يعود لنشاطه كالمعتاد، دون أي تغيير اللهم إلا غياب بعض الوجوه مثل حسن عصفور، ويبدو هذا الفريق كمن يحصر حساباته بالوعود الأميركية، وبأن جورج بوش يريد التوصل لإنجاز ما قبل مغادرته البيت الأبيض، في مطلع عام 2009، دون أدنى حسابات للفشل المرجح للمفاوضات في ضوء الموقف الإسرائيلي، بل حتى إذا افترضنا جدلاً أنّ اتفاقاً ما يمكن التوصل إليه، في مفاجأة ما كمفاجأة "أوسلو"، فإنّ تطبيقه وتنفيذه على الأرض يحتاج إلى قاعدة شعبية منظمة ومعبأة، تماماً كما أنّ فشل المؤتمر يحتاج لتماسك فلسطيني للبحث عن بدائل، على صعيد المواجهة لسياسات إسرائيل التوسعة الاستيطانية ميدانياً ودبلوماسياً. وما يجري حالياً أنّ المعارضة الفلسطينية تعبئ صفوفها ضد المؤتمر، بينما حركة "فتح"، غارقة في خلافاتها وفي العلل التي أقعدتها عن أي حراك سياسي أو نضالي. وبالمثل تراجع نشاط اللجنة الرباعية العربية لدعم مبادرة السلام العربية، فلأسباب متنوعة من أهمها الاقتتال الفلسطيني الداخلي، تراجع زخم الحماس العربي للقيام بنشاط دبلوماسي جماعي منظم لدفع القضية الفلسطينية إلى الأمام، وعاد الأمر كما لو كان المؤتمر واحداً من جولات مدريد أو "واي بلانتيشن" التفاوضية العبثية، التي يفاوض فيها الفلسطينيون وحدهم. لا يبدو أنّ هناك حركة دبلوماسية فلسطينية، نجحت في إدامة وتطوير زخم التحرك العربي الذي وصل مستوى غير مسبوق العام الماضي ومطلع هذا العام، لتحرك عربي مشترك لفرض تسوية الموضوع الفلسطيني، ولا يبدو أنّ هناك أي برنامج فلسطيني داخلي يقوم على دعم التفاوض بالتأييد الشعبي، وبالاستعداد بخطط لبدائل في حالة الفشل في المفاوضات. وبهذا الغياب للتحرك العربي المشترك الواضح المعالم والأهداف، وغياب الوحدة الفلسطينية، وغياب البدائل الفلسطينية (بما في ذلك توقف المقاومة حتى من قبل حركة "حماس")، فإنّ كل هذا كفيل وحده بفشل المفاوضات واستنكاف إسرائيل عن التعامل الجدي مع المطالب الفلسطينية.