انتهى مسلسل "فريج" الذي يحوي شخصيات طريفة كانت لدى كثيرين تسلية في رمضان وأماسيه العذبة. والغريب في هذا المسلسل أنه يرى نفسه وكأنه قادم من حلم بعيد مأمول ومنتظر، وعليه فإنه أعلى من النقد، وأهم من أي اعتراضات وأفضل من أي عمل فني آخر. هو فعلاً عمل فني جميل ويحتوي على أفكار متميزة، وكانت أخطاء العام الماضي التي وقع فيها نص أو سيناريو "فريج" ذاتها تتكرر هذا العام مع ضعف أكبر وتشويق أقل، وجودة تكاد تكون معدومة. وأزعم أنه ليس هناك من أحد ضد "فريج"، بل على العكس، كلنا من دون استثناء صغاراً وكباراً ابتهجناً جداً بهذه الفكرة وأُسعدنا بها، لأنها لهجة قديمة أصيلة، أعيدت للحياة رغم جهل الأجيال الجديدة بها. لكن القضية الأساسية هنا تتمثل في التساؤل التالي: لماذا يعتبر بعض أصحاب الأعمال الفنية أنهم فوق النقد، وأنهم أصحاب سبق في الإبداع والإعجاز الإبداعي المتميز؟ فأخطاء هذا العام اتخذت أكثر من اتجاه، ناهيك عن الترويج التجاري الإعلاني الذي كان ضمن النص، والذي أسقط البرنامج في قضايا اجتماعية وأخلاقية لا يفترض بها أن تكون، فقد ذهب النص لأبعاد تربوية مهمة خاصة في علاقة الجدة بالحفيد المشاكس. وإذا كان الميدان التربوي قد اعترض على وجود تجاوزات دينية، فهذا حقه لأن أغلب مشاهدي المسلسل هم من الأطفال، فالجميع كان يتوقع أن يكون للبرنامج خط تربوي وهادف وقيمي، وليس كما قال القائمون إن هناك "من يصطاد في الماء العكر"، ليس الماء عكراً، لكنهم دخلوا في متاهات لا تحمد عقباها وتجعل هذا البرنامج الظريف في موقع يعرضه للاتهام والجدل. وبالتوازي مع "فريج"، هناك "شعبية الكرتون" التي تعد فكرة رائدة ونصاً خفيفاً، لكنه يحمل قضايا وطنية وهموماً اجتماعية حقيقية، وكرتون يستحق الإشادة والاحترام. والمسلسلان عليهما الاستجابة للانتقاد وعلى أصحاب "فريج" أن يكونوا متسعي الصدور والفكر والروح، وأن يتفهموا أن الأخطاء واردة وأن العمل الإنساني لابد أن تكون له هفوات. والنقد أو الاعتراض لا يعنيان أن هناك حروباً سرية أو أعداء مستترين، بل على العكس هناك حب ورغبة في الوصول إلى سيناريو راق ومحبوك وقادر على إرضاء جميع الأذواق واحترام عقلية المشاهد الصغير العاشق لهذه الشخصيات. تقبل النقد والروح الإيجابية دلالة على حكمة ورغبة في الاستمرار والتجويد، والإعلان بأن النقد مرفوض هو حالة مؤقتة، لابد أن يكون بعدها تفكير وقبول بالنواقص ومعالجة الأخطاء. فالنقد ليس مؤامرة بالضرورة، بل الثناء الزائد والمبالغ فيه، هو الذي لابد أن يشكك في نواياه ولا يتخذ به، فالمداحون كثر... لكن أصحاب النقد الخالص والمخلص هم الذين يفترض أن يتم البحث عنهم!