بعد مضي سنة واحدة على تخيير الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش للأمم المتحدة بين تولي الشأن العراقي أو مواجهة تحييدها، نجده يعود إلى الجمعية العامة في نيويورك هذا الأسبوع بصفته محتلاً للعراق- ومذلاً على رغم ذلك من هذه التجربة·
وقد كان من المتوقع أن يسعى بوش في الخطاب الذي ألقاه يوم أمس الثلاثاء إلى الحصول على إجراءات عملية من المجتمع الدولي في سياق تحقيق السلام وليس في سياق الاستعداد للحرب· وفي ذلك مهمة أكثر ملاءمة بكثير من تولي المسألة كلها؛ وهي مهمة تعترف الولايات المتحدة، بمقتضى الطلب الذي قدمه الرئيس، بعدم قدرتها على تحقيق النجاح فيها بمفردها· كما كان من المتوقع أن يضغط بوش في خطابه وفي عدد من المشاورات والأحاديث الخاصة التي سيجريها ووزير خارجيته مع زعماء العالم سعياً إلى الحصول على المساعدة- بالقوات والأموال- في العراق·
وما زالت النقطة الحاسمة التي تفصل بين الولايات المتحدة والأعضاء الرئيسيين في المجتمع الدولي تتعلق بمسألة السيطرة على شؤون العراق السياسية أكثر من تعلقها بمسألة السيطرة العسكريـــة؛ وعملياً ليس هناك من يختلف مع الولايات المتحــــدة- بصفتها قوة الاحتلال وصاحبة الوجود العسكري الأكبر في العراق- في شأن وجوب احتفاظها بقيادة أية قوات يجري إرسالها بقرار دولي· غير أن المسألة تتعرض للتحجيم، بدلاً من ذلك، لتنحصر فيما إذا كان ينبغي احتفاظ الحاكم الإداري الأميركي للعراق بول بريمر - الذي عينه بوش ويتبع مباشرة للبنتاغون-بموقع السيطرة على الشؤون السياسية للعراق· وفي هذا قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمراسلين الأميركيين منذ أيام إن دور الأمم المتحدة في العراق يجب أن يتجاوز كونه ديكوراً أو تقليد أوسمة·
ويبدو أن إدارة بوش ما زالت مترددة في تحديد حجم الدور الذي قد تسمح به للأمم المتحدة، لكن مساعي الرئيس في الأمم المتحدة - وهدفها النهائي استصدار قرار جديد يؤيد زيادة حجم المشاركة الدولية في العراق- توحي بوجود تفهم جديد في الإدارة·
لكن لـ نانسي سوديربيرغ رأيا آخر، وهي السفيرة الأميركية السابقة إلى الأمم المتحدة في عهد إدارة كلينتون ونائب رئيس مجموعة الأزمة الدولية في نيويورك· وتقول سوديربيرغ : إن معظم الأشخاص في إدارة بوش لا يتمتعون بخبرة التعامل مع الأمم المتحدة الجديدة· وفي إشارة إلى الدور المؤكد الجوهري للأمم المتحدة في مهمات بناء الأمم كتلك التي تتولى تنفيذها الولايات المتحدة في العراق ، تضيف سوديربيرغ قولها : على نحو خاطئ، لم يدركوا أن الأمم المتحدة وثيقة الصلة بتحديات اليوم ·
وعلى رغم ذلك فإن ما يبدو في ظاهره أساساً لتقارب أوثق في الآراء حيال العراق لا يعني أن الطريق سهلة أمام العملية، إذ أن بوش اعترف بذلك الأسبوع الماضي عندما قال في منتجع كامب ديفيد إن القرار- الذي كانت إدارته ترجو أن يحظى بموافقة أعضاء الجمعية العامة قبل أن يحين موعد خطابه أمامها- ربما لن يجري التصويت عليه حتى وقت لاحق من الأسبوع الحالي·
وتوحي بعض البلدان بأن غياب الوضوح حول الجانب الذي تبدي الولايات المتحدة استعداداً للنظر فيه حيال دور الأمم المتحدة إنما يؤدي إلى تأخير العملية· ذلك في حين تتراجع البلدان الرئيسية التي تبدو أكثر انفتاحاً وصراحة في العمل مع الولايات المتحدة تراجعاً طفيفاً فيما يتعلق بالتفصيلات حتى نرى ما سيكون الأميركيون منفتحين حياله ، هذا على حد قول أحد المسؤولين الأوروبيين·
وتقول سوديربيرغ : المشكلة أن واشنطن لم تقرر حتى الآن مدى استعدادها للمضي في هذا الاتجاه··إن خطاب الموقف صحيح، لكن جوهر الموقف ليس صحيحاً حتى الآن ·
وعلى رغم ذلك لا يبدو أن البلدان الأخرى متحدة في جبهة واحدة تقدم بها موقفها أمام الولايات المتحدة: ففي القمة التي انعقدت بينهم في برلين في الأيام القليلة الماضية، اتفق زعماء كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا على أن المجتمع الدولي مفتاح النجاح في العراق ما بعد الحرب ، غير أن الزعماء الثلاثة اعترفوا بوجود اختلافات في الرأي حول الكيفية التي ينبغي تبنيها لانجاز المشاركة·
لكن على وجه العموم، نجد أن هذا التوافق- الذي يمثل موقفاً دولياً ما زال مشتتاً ومترافقاً بإدراك الفوائد التي يجنيها العالم برؤية العراق يبرز إلى حيز الاستقرار- إنما يضع أمام بوش فرصة، كما يقول بعض الخبراء في هذا السياق· ويقول إدوارد لوك الخبير في السياسة الخارجية في جامعة كولومبيا في نيويورك إن أمام الرئيس فرصة ممتازة لتعزيز حجته المتعلقة بتجميع المواقف والمساعي بشأن العراق ·
ويضيف لوك: إن تحدي الرئيس بوش للأمم المتحدة في السنة الماضية قد لقي ترحيباً جيداً لم يلقه الضغط باتجاه الحرب الذي جرى على مبدأ اقبلوا الأمر أو اتركوه؛ ويقول لوك إنه على رغم وجود قوى لا تريد لهذا الأمر أن ينجح (في العراق)، فإن الأمم المتحدة بوجه عام لا تتخذ موقفاً معارضاً للزعامة الأميركية·
لكن ليست هناك رغبة في أخذ الأمر على محمل الجد، كما يقول لوك الذي دأب لفترة طويلة على ت