تكرر خلال العامين الماضيين تطرق الإعلام لنشاطات جماهيرية يقوم بها "حزب التحرير"، الذي تأسس بالقدس عام 1953، ومنذ بداية هذا الشهر نظّم الحزب مجموعة مؤتمرات، أولها في قصر ألكساندرا، في لندن، المبني عام 1873، ثم في ستاد كرة قدم في جاكرتا في إندونيسيا، الأحد الماضي بحضور نحو 80 ألف شخص، ويوم الاثنين الماضي في رام الله، في فلسطين، بحضور نحو عشرة آلاف شخص، على أرض ملعب مدراس الفرندز، التي شيدتها كنيسة الكويكرز، أعوام 1869 و1901. وفي لبنان، عقد الحزب مؤتمره السنوي الثاني، يوم الأحد، في قصر "اليونيسكو" بحضور ممثلين لجماعات إسلامية وفصائل فلسطينية، وفي الكويت اعتقلت أجهزة الأمن أشخاصاً يوزعون منشورات للحزب هذا الأسبوع، وهناك أنباء عن "مؤتمرات" عقدت أو ستعقد في باكستان، وغزة، والكويت، وهولندا، والدانمرك، بهدف إحياء ذكرى سقوط دولة الخلافة في رجب 1342هـ (1924م). هذه النشاطات تؤكد امتلاك الحزب امتداداً تنظيمياً دولياً بقيادة مركزية مترابطة، قد لا يتوافر لدى أي تنظيم عربي علماني أو ديني. وهذا النمو الراهن للحزب له أسباب محتملة؛ أولها، نجاحه في اكتشاف واستغلال مواقع فراغ سياسي وفكري وقانوني وأمني، فبينما الحزب ملاحق في أغلب الدول العربية، استطاع استغلال تفكك الاتحاد السوفييتي، وحقق انتشاراً كبيراً في الجمهوريات السوفييتية السابقة، وخاصة أوزبكستان، وطاجكستان، وقرغيزستان، وفي أقاليم في الصين. والسبب الثاني، استغلاله الكبير لـ"الإعلام الجديد"، المتمثل في الإنترنت. والثالث، استغلاله الوضع اللبناني، فالحزب وفق عدة مؤشرات يستخدم لبنان مقراً لقيادته، وبحسب الصحافة اللبنانية، لم يعد الحزب ممنوعاً هناك، بعد تقديمه طلب "علم وخبر" إلى وزارة الداخلية. والسبب الرابع، أنّ حكومات وجهات عدَّة بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل لا ترى في الحزب خطراً عاجلاً، فلا تلاحقه، فالحزب يرفض ممارسة العنف ضد المدنيين، بل لم يمارس المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي، ويركز على "إنضاج" الظروف لانقلابات عسكرية لتأسيس دولة الخلافة لتتولى الجهاد. وثمة سبب خامس محتمل، هو دور عطا أبو الرشتا الذي استلم قيادة الحزب عام 2003، إذ تزامن التوسع مع صعوده لـ"إمارة" الحزب. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يكتفي الحزب الآن بالدعوة لأفكاره سلماً؟ وهل أفكاره حقاً سلمية؟ الواقع أنّه رغم رفض الحزب اعتداءات سبتمبر 2001، واعتبارها حراماً، استهدفت أبرياء، فإنّ فكر الحزب يتقاطع مع "القاعدة" من حيث الفكر التكفيري، ورفض فكرة الإصلاح التدريجي والتركيز على التغيير الجذري، ورفض التعددية والحرية السياسية والعقائدية، ورفض الأطر الوطنية والبرلمانية للعمل. ويعلن الحزب أن "العالم كله اليوم بما فيه بلاد المسلمين دار كفر"، ومن هنا حتى لو كانت هناك نقاط خلاف مع "القاعدة" في جزئيات حول وسائل تحقيق أهدافهم، فإنّ هناك لقاء في جزئيات أخرى، وفي الأهداف العامة، وهناك مبرر للخشية من لقاء فعلي ميداني. كما لا يمكن التيقن أنّ الحزب لن يمارس العنف المادي إذا سنحت الفرصة، ففي عام 2004 حاول أعضاء الحزب الاعتداء على وزير خارجية مصر أحمد ماهر، أثناء تواجده في المسجد الأقصى للصلاة. وهناك حالات خرج فيها أشخاص يُعتقد أنّهم نشأوا في الحزب، مثل "صالح سرية"، الذي قاد عام 1974 هجوماً على الكلية الفنية العسكرية في مصر، وكان يهدف للاستيلاء على الحكم. وهناك احتمال لحدوث تحول، لدى أجزاء من الحزب لقبول فكر جماعات الإرهاب، كما حدث في حالة عمر بكري، الذي قاد الحزب في بريطانيا حتى عام 1996، وانشق وأسس حركة "المهاجرين"، لرفضه فكرة الحزب عدم ممارسة "الجهاد" إلى حين قيام دولة إسلامية. إذن فالمسافة بين الحزب والعنف لا تبدو كبيرة، ويخشى من لحظة يعلن فيها الحزب تأييده لأحد مشاريع "القاعدة" المغامرة، من إعلان دول وهمية، مثل "دولة العراق الإسلامية"، وأن يعلن أنّ دولة الخلافة قامت، وأنّ أوان الجهاد قد حان. وفي النهاية حزب التحرير حزب انقلابي، تكفيري، يرفض الإصلاح المتدرِّج، ويؤجِّل مقاومة إسرائيل، ويرفض التعددية والحريّة السياسية والعقائدية والاجتماعية وحتى الاقتصادية. aj.azem@gmail.com