رغم انقضاء أربعة أعوام على محنة السودان في دارفور، فإن المساهمة العربية، في الجانبين العسكري والإغاثي، ليست بالمستوى المتوقع لعمق العلاقات بين السودان وجيرانه العرب وعضوية حكومة السودان في جامعة الدول العربية. لقد تعهد الاتحاد الإفريقي بالجانب العسكري في أمر دارفور وأسهمت بضع دول أفريقية في القوة العسكرية التي تشارك في تطبيع الوضع هناك. ورغم أن ثمة ست دول عربية أعضاء في الاتحاد الأفريقي، فإن المساهمة العربية في القوة الأفريقية لا تذكر. وفي مجال الإغاثة فإن المساهمة العربية جد هزيلة عندما تقارن بالمساهمات الإنسانية التي تقدمها البلدان الغربية أو الهيئات والمنظمات القادمة منها. لكن جد جديد في هذا الوضع يؤمل أن يكون بداية لتحول في مواقف الحكومات العربية حيال أزمة دارفور حتى لا يقتصر العون والمساهمة العربية على التصريحات والأقوال وحدها وإعلان الوقوف إلى جانب حكومة الخرطوم في نزاعها مع المجتمع الدولي... الجديد الذي أُعلن قبل أيام هو أن جمهورية مصر العربية قررت إرسال 800 جندي للمساهمة مع قوى الاتحاد الأفريقي في دارفور، وبذلك القرار تنقل القاهرة العون العربي من مجرد القول إلى مرحلة الفعل. النيران المشتعلة في دارفور منذ 4 سنوات، والتي انتقل أثرها إلى تشاد المجاورة، قابلة للانتقال إلى جارات أخرى، منها ليبيا ومناطق أخرى من المغرب العربي، بل وحتى مصر ذاتها، ولهذا فقد كان الأجدى بالحكومات العربية أن يكون التفاتها لما يجري في دارفور أكثر جدية وواقعية. إن القوة الأفريقية التي ظل السودان يعتمد على جهدها في دارفور، رغم ضعفه، تتكون أساساً من ضباط وجنود أكثرهم من دولتي نيجيريا ومالي، ولاشك أن مساهمة مصر عسكرياً، سيكون لها أثر جيد على حكومة السودان وشعبه الذي ينتظر مؤازرة وعون شقيقاته العربيات في أزمة طالت واستطالت حتى أن نحو 35 عاصمة في العالم عمتها مظاهرات خلال الأسبوع الماضي تضامناً مع أهل دارفور واحتجاجاً على التلكؤ في إنهاء هذه المحنة التي هزت كل ضمير العالم. هناك الآن أكثر من مليوني مواطن من أبناء دارفور يعيشون في مخيمات ومعسكرات داخل السودان وفي تشاد المجاورة، وهؤلاء ممن شردتهم الحرب، يعتمدون كلياً على الإغاثة والإعانات التي تقدمها منظمات إنسانية أغلبها غربية، باستثناء مساهمة محدودة من منظمة واحدة أو أكثر من المنظمات العربية أو الإسلامية. إن المقارنة بين ما يقدمه هؤلاء وأولئك تكاد تكون مستحيلة، وإذا تعذر على الحكومات العربية لعب دور واضح في الشق العسكري، فلا أقل من أن تركز جهدها على العون الإنساني وهو مجال خصب والحاجة إليه ماسة. لقد قدمت دول أفريقيا جنوب الصحراء، من خلال الاتحاد الأفريقي، ما هو في طاقتها بل وأكثر، وهي تسعى الآن لاستقطاب الدعم الدولي العسكري حتى تستطيع مواجهة الوضع المتأزم في دارفور، رغم أنها دول غير قادرة ولا مؤهلة مالياً لتقديم العون، لذلك تبقى الأبصار متجهة إلى الحكومات العربية، وأغلبها قادر ومؤهل للمساهمة الجادة في تقديم العون الإغاثي بل والمساهمة مالياً في دعم القوات الأفريقية لتكمل رسالتها في دارفور.