تواجه أفغانستان تحديات شتى، مع بدء معارك موسم الربيع الحالي. فهناك هجمات حركة "طالبان"، ومشكلة التطرف الإسلامي، وهناك أيضاً المجرمون وتجار المخدرات ولوردات الحرب. وبجانب ذلك كله، هناك ضعف الحكم ونقص الوجود الأمني القومي والدولي على حد سواء. ولعل هذا هو الوقت المناسب للتقييم الموضوعي للبيئة الأمنية الأفغانية والإقليمية، بما يمهد لوضع استراتيجية تمكننا من تجاوز هذه التحديات. وينبغي أن تكون هذه الاستراتيجية شاملة بحيث تجمع ما بين الاحتواء العسكري والمصالحة السياسية، وما بين السيطرة الإدارية وتسريع خطى التنمية الاجتماعية الاقتصادية. وينبغي لها كذلك أن تهتم ببناء عملية السلام من القاعدة إلى القمة، أي من قرية إلى القرية المجاورة لها، ومن منطقة إلى الأخرى، وذلك عن طريق الدمج بين الحوافز والعقوبات، حتى تؤمن دعم وتعاون الأهالي المحليين لهذه الاستراتيجية. على أن كسب عقول وقلوب المواطنين الأفغان، لهو أكثر أهمية من قتل المتمردين أو اعتقالهم. ولذلك فإن في وسع التكتيكات العسكرية المصحوبة بما يسمى بـ"الضرر الجانبي" في أوساط المدنيين وممتلكاتهم، أن تقضي على عشرة إرهابيين مثلاً، إلا أنها وبالقدر ذاته تولد مئة إرهابي جديد، يحلون محل أولئك الذين أزهقت أرواحهم تلك التكتيكات الرعناء. والأكثر أهمية من ذلك، أنه ليس من استراتيجية يمكن أن يكتب لها النجاح، دون تسريع عجلة إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية. ولا بد لهذه الاستراتيجية، من أن تفتح نافذة جديدة للأمل في السلام، وأن تنشئ المزيد من فرص العمل والوظائف، فضلاً عن وعدها بتحسين مستوى حياة المواطنين وأطفالهم. والحقيقة أن الشريط الحدودي الباكستاني المشترك مع أفغانستان، قد شهد موجة تأييد واسع النطاق للتطرف الديني، على امتداد عقود النزاع الثلاثة الأخيرة في أفغانستان. وبالنتيجة، فقد عبر إلى داخل الحدود الباكستانية، آلاف المقاتلين من حركة "طالبان" وتنظيم "القاعدة"، في أعقاب الاجتياح الأميركي الذي عصف بنظام "طالبان" في كابول، في أواخر عام 2001. ولذلك فنحن ملزمون باستئصال شأفتهم ودورهم الذي يمارسونه على أفغانستان من داخل حدود بلادنا. ولهذا الالتزام أهمية كبيرة بالنسبة لباكستان نفسها، إن أرادت المضي بخطى أسرع في طريق التحديث وزيادة نشاطها التجاري وتعزيز علاقاتها في مجال الطاقة التي تربطها بمنطقة آسيا الوسطى. ولكل هذه الأسباب مجتمعة، فإن من الأهمية بمكان، أن تتضافر جنباً إلى جنب، الجهود الأفغانية والدولية الرامية إلى بسط الأمن والاستقرار في جنوب وجنوب شرق أفغانستان، مع الجهود الأمنية التي تبذلها باكستان في مناطقها الواقعة على الشريط الحدود المشتركة بينها وجارتها أفغانستان. وعلى نقيض ما يثار من انتقادات لأداء إسلام أباد في هذا الجانب، من قبل كل من كابول وواشنطن، فقد أسهمت باكستان إسهاماً كبيراً ومقدراً في هذه الجهود. أولى هذه الإسهامات، تمكن قوات الجيش والاستخبارات الباكستانية من إلقاء القبض على ما يربو على 700 من مقاتلي تنظيم "القاعدة"، إلى جانب تدمير القسم الأعظم من بنية السيطرة والتحكم الخاصة بالتنظيم، في الجزء الحدودي الواقع داخل الأراضي الباكستانية. وقد لاحظ ذلك نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني بقوله" فقد تمكنا من قتل وإلقاء القبض على عناصر تنظيم "القاعدة" في باكستان، أكثر مما فعلنا في أي بقعة أخرى من بقاع العالم". يُشار إلى أن باكستان قد دفعت ثمناً باهظاً وغالياً لجهودها هذه الخاصة بمكافحة تنظيم "القاعدة". ليس أقل من ذلك، من فقدانها لأرواح 700 من جنودها خلال 90 عملية عسكرية شنتها على مقاتلي "القاعدة". كما شن إرهابيو التنظيم عدة عمليات انتحارية، استهدفت أرواح قادتنا ومواطنينا المدنيين، إلى جانب استهدافها لعناصر قواتنا المدنية. غير أن كل ذلك لم يفل من عزمنا على مكافحتهم. وبالنتيجة فقد بقيت عناصر التنظيم هاربة، ولا سبيل لها لأن تعيد صفوفها وتتجمع ثانية داخل حدود بلادنا. ثانياً: تمكنت قواتنا وأجهزة استخباراتنا من إلقاء القبض على ما يزيد على 1500 مقاتل من مقاتلي حركة "طالبان"، وتسليمهم إلى أفغانستان خلال السنوات الثلاث الماضية، بمن فيهم جزءًا كبيراً من عناصرهم القيادية. وبالطبع فإنه ليس بوسعنا إلا أن نقوم بما هو ميسور لنا في هذا الجانب، بحكم أن مراكز الاستقطاب والتجنيد والتدريب والتمويل والقيادة الخاصة بالحركة، لا تزال داخل الأراضي الأفغانية. واليوم فإن هناك 80 ألف جندي باكستاني ينتشرون في المناطق القبلية الممتدة على الشريط الحدودي المشترك بيننا وأفغانستان. كما شهدت المناطق ذاتها، إنشاء نحو 1000 نقطة من نقاط التفتيش الأمني الحدودي. وضمن الجهود ذاتها، فسوف يتم نصب سياج عازل على امتداد 20 ميلاً، في النقاط والمناطق الحدودية الأشد وعورة، التي غالباً ما تتم خلالها عمليات العبور السري من وإلى باكستان. وفي الوقت ذاته، فقد شرعنا في اتخاذ تدابير أمنية مشددة على حركة العبور بين بلادنا وأفغانستان، خاصة وأن هناك قرابة 300 ألف شخص يعبرون الحدود يومياً. وتشمل هذه الإجراءات الجديدة تقنيات البطاقة الحاملة للمعلومات البيولوجية عن الأفراد، إمعاناً في تدقيق هوياتهم والتعرف إليها. ولا بد من الإشارة هنا، أن هذه البطاقات تفقد قيمتها ومعناها تماماً، إذا ما واصلت قوات خفر الحدود الأفغانية، تمزيقها وإلقاءها كما لو كانت مجرد قاذورات. وغني عن القول بالطبع، أن حركة مقاتلي "القاعدة" و"طالبان"، هي حركة مزدوجة وعابرة لكلتا الدولتين المتجاورتين. ولذلك فإن السيطرة على الخط الحدودي الفاصل، إنما هي مسؤولية تضامنية مشتركة بين كل من باكستان وأفغانستان، وقوات التحالف الدولي. وهي لا شك من التحدي والجسامة، بما يصعب إلقاؤها على الطرف الباكستاني وحده. وبالطبع فإن هناك تعاوناً مشتركاً بهذا البعد والمستوى، يتم عبر شراكات رسمية مثلما هو حال "اللجنة العسكرية الثلاثية" التي تضم كلاً من باكستان وأفغانستان وحلف "الناتو". وقد أنشأت "مجموعة التنسيق العملياتي" الخاصة باللجنة مؤخراً، مركزاً استخباراتياً مشتركاً لها في كابول. ولا شك أن باكستان سوف تستفيد كثيراً من التقنيات الاستخباراتية الغربية المتطورة، التي تستخدم الإلكترونيات وغيرها من الأجهزة المتقدمة الأخرى، في شن المزيد من الحملات على العبور غير الشرعي لحدودها من قبل قوات "طالبان" ومقاتلي تنظيم "القاعدة"، فضلاً عن مواصلتها للتعاون والشراكة الاستخباراتية القائمة حالياً بينها والطرفين المذكورين. وأخيراً فإن لباكستان استراتيجية شاملة، تهدف إلى تعزيز السلام والتقدم في المناطق القبلية الحدودية. والفكرة هي كسب ولاء ودعم السكان المحليين هناك، مقابل عزل المقاتلين والجماعات المتطرفة. ولم يكن الهدف وراء الاتفاق الذي توصلت إليه إسلام أباد مع زعماء القبائل في شمالي وزيرستان في شهر سبتمبر من العام الماضي، شيئاً آخر سوى مبادلة السلام والأمن، بالتقدم الاقتصادي الاجتماعي للإقليم. وهكذا تؤكد إسلام أباد، أنها صاحبة مصلحة في أمن واستقرار وازدهار كابول، تماماً كما هي مصلحة كابول نفسها وحليفتها واشنطن. ـــــــــــــــــــــــ سفير باكستان لدى الأمم المتحدة ـــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"