يُقال إن روما لم تُبنَ في يوم واحد؛ والحال أنها ربما كانت سُتبنى في يوم واحد لو أن الكونجرس الجديد هذا كان مهندسها. ذلك أنه بالرغم من أنه لم يمر على تغير الأغلبية في الكونجرس سوى 66 يوماً، فإن النتائج حتى الآن مبهرة وتبعث على الارتياح. والواقع أنه طيلة 45 عاماً من خدمتي في الكونجرس، لم يسبق لي أن رأيت تحولاً سريعاً مماثلاً للكونجرس من حالة الجمود إلى حالة الزخم والتقدم. وإذا كان تركيز وسائل الإعلام اليومي ينصب على نقاشاتنا الداخلية والانتخابات الرئاسية المقبلة، فإن أهم خبر في 2007 يتمثل في أن الانتخابات أتت بما كان مؤملاً منها، وأن "الديمقراطيين" أظهروا نتائج ملموسة للشعب الأميركي. ولعل أهم أسباب ذلك يكمن في أن الانتخابات قامت باستبدال برلمان جامد ببرلمان من النوع الذي كان يرغب فيه "آباؤنا المؤسسون"، والمقصود وجود جهاز تشريعي ند للحكومة، يضطلع بمهمة مراقبة السلطة التنفيذية وسن التشريعات التي تخدم المصلحة العامة بجد ومسؤولية. وما التقدم الذي تم إحرازه خلال الأشهر القليلة الماضية إلا شاهد على مدى حاجة بلدنا دائماً إلى برلمان يقظ ونشيط. ولعل الأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة. فالأسبوع الماضي، على سبيل المثال، عقد مجلسُ الشيوخ ومجلس النواب جلساتِ استماعٍ قصد مناقشة الحالة المزرية التي آل إليها "مركز والتر ريد الطبي العسكري". ولئن كان أمامنا الكثير من العمل الذي يتعين القيام به من أجل إعادة الثقة والأمل لجنودنا المصابين، فإن الكونجرس "الديمقراطي" قام بالكشف عما كان الكونجرس "الجمهوري" الجامد يحاول إخفاءه -أي أن الإدارة الحالية أهملت الجنود المصابين العائدين من العراق وأفغانستان، بدلاً من أن تعمل على إعادة الاعتبار لهم. إلى ذلك، أرغمت جلسات الاستماع التي دعا إليها الكونجرس الجديد وتهديده بتبني تشريعات صارمة القطاعَ البنكي القوي في الولايات المتحدة على الاعتراف بأن رسوم بطاقات الائتمان ومعدلات الفائدة مرتفعة جداً، وبالتعهد بوضع حد لبعض ممارساته السيئة. وبأخذه مشاكل الأميركيين العاديين على محمل الجد، يكون الكونجرس "الديمقراطي" قد وفر على المستهلكين عشرات الملايين من الدولارات التي كانت ستُخصم على شكل رسوم وفوائد. ومما يُذكر أيضاً في هذا الإطار أننا نعمل حالياً على تحقيق إصلاح مماثل لأنظمة القروض الطلابية؛ وقد عبّدت جلسات الاستماع التي دعينا إليها الطريق لحدوث هذا التغيير عبر إثبات أن النظام الحالي إنما يخدم مصالح البنوك، ويخذل الطلبة الأميركيين. وهكذا، بدأ توازن السلطات المنصوص عليه في الدستور يعمل من جديد. وحتى الآن، فإن أقوى رسالة صدرت عن الانتخابات الأخيرة تفيد بأن الأميركيين يرغبون في حدوث التغيير في العراق. والحال أن حمْل أي إدارة -وبخاصة إدارة عنيدة مثل الإدارة الحالية- على تغيير النهج الذي تسلكه زمن الحرب يعد تحدياً كبيراً جداً؛ غير أن الكونجرس يقوم اليوم بدوره الدستوري باعتباره جهازاً مراقباً للسلطة التنفيذية؛ حيث يتم طرح أسئلة صعبة على الإدارة، كما يتم تحميلها مسؤولية الأجوبة التي تقدمها. علاوة على ذلك، فقد طالبنا أيضاً بضرورة محاسبتنا، عن طريق الإعلان والكشف عن مواقف كل عضو من أعضاء الكونجرس من مسألتي دعم أو معارضة تصعيد الرئيس بوش لمشاركتنا في الحرب الأهلية في العراق. ومما لاشك فيه أن تصويت مجلسي الكونجرس معاً ضد رفع عدد القوات الأميركية هناك يمثل رسالة قوية إلى الرئيس، غير أن الأهم من ذلك هو أن ثمة إجماعاً واسعاً في الجانب "الديمقراطي" على ضرورة إعادة نشر قواتنا المحاربة في العراق بحلول 2008. وإذا كنا نعتزم العمل بجد على تحقيق هذا الهدف، فعلينا ألا ننسى أن أول إنجاز يحققه الكونجرس الجديد تمثل في إرغام الرئيس بوش على تعيين وزير دفاع جديد. وبالرغم من أنه مازالت أمامنا طريق طويلة وصعبة، فإننا نسير حالياً في الاتجاه الصحيح على الواجهة الدولية. فقد قررت الإدارة أخيراً اتباع دعوة العديد منا في الكونجرس، فوافقت على إجراء محادثات مع إيران وسوريا. وإضافة إلى ذلك، فقد حث الكونجرس أيضاً وزارة الخارجية على التركيز على أزمة اللاجئين العراقيين التي ما فتئت تتفاقم. فقبل مناقشة الموضوع من قبل الكونجرس، كانت الولايات المتحدة قد تجاهلت كثيراً معاناة نحو مليوني عراقي، طُرد الكثيرون منهم من منازلهم لأنهم ساعدوا القوات الأميركية. وأخيراً، فإن حقيقة أن الكونجرس "الديمقراطي" لن يوافق على أي قرار بغزو إيران بدون مساءلة يمثل مراقبة وكبحاً مهمين للرئيس -وفي منتهى الضرورة بمقتضى الدستور. والحق أن هذه القائمة القصيرة لا تُنصف شركاءنا في التقدم الذي تم إحرازه: مجلس النواب برئاسة "نانسي بيلوسي". ذلك أن مجلس النواب لم يقم فقط بالانضمام إلى مجلس "الشيوخ" في المراقبة الصارمة للسلطة التشريعية، وإنما مرر أيضاً قانون الحادي عشر من سبتمبر، الذي يتخذ تدابير تضمن أمننا وحمايتنا، وقانوناً يُنتظر أن يخفض تكلفة الأدوية، وقانوناً آخر ينص على زيادة في الحد الأدنى للأجور ينتظر أن يساعد ملايين الأشخاص على الحصول على الزيادة التي يستحقونها. والحقيقة أن القائمة طويلة، غير أننا لم نبدأ سوى للتو. ــــــــــــــــــــــــــــ سيناتور "ديمقراطي" من ولاية ماساتشوسيتس ــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"