حظرت الحكومة الروسية مؤخراً على العمال المهاجرين العمل في أسواق البيع بالتجزئة اعتباراً من أول أبريل المقبل، وذلك في إطار قانون جديد يحد كذلك من عدد الوسطاء بتنصيصه على ضرورة أن يبيع نصف مجموع الباعة على الأقل منتجاتهم بأنفسهم. أما التفسير الرسمي، فيكمن في أن التشريع الجديد يروم حماية المنتجين الروس. والحال أنه من المرجح أن يضر هذا القرار المتسرع، والذي تحركه دوافع سياسية بالمستهلكين الروس، ويكرس تفاقم أزمة العمال المهاجرين. أما الأسواق المتأثرة بالقرار، فهي العقارات الكبيرة حيث يدفع الباعة ثمن المساحات التي يستغلونها، ويعرضون فيها منتجاتهم وسلعهم من الملابس والفواكه وغيرها؛ وحيث يجد المتسوقون الذين يبحثون عن الأسعار المنخفضة والمنتجات الطرية ضالتهم، مقارنة مع المحلات والمتاجر التقليدية، إذ يقبلون على شراء الفواكه والخضار المحلية أو المستوردة. ونظراً لمناخ روسيا القاسي، يتم على مدار العام استيراد الخضار والفواكه بصفة خاصة من المناطق الأكثر دفئاً في العالم. غير أن القانون يسعى إلى فرض نفس الإجراءات على جميع المناطق الروسية، بالرغم من اختلاف المنتجات والأسواق في جنوب البلاد والمناطق الواقعة ما وراء الدائرة القطبية. ويُعتقد أن القانون الجديد أتى كرد فعل على تزايد مظاهر عدم التسامح العرقي في روسيا، الذي أخذ منعطفاً خطيراً أواخر الصيف الماضي عندما أرغمت أعمال شغب في مدينة "كوندوبوجا" الواقعة شمال غرب البلاد السكان غير السلافيين على الهروب، وتعرضت خلالها تجارتهم للنهب والحرق. ونتيجة لذلك، يساور الحكومة الروسية القلق بخصوص هذه الأعمال العدائية، ولاسيما في سنة انتخابية، حيث يُنظر إلى أي مؤشر على نشاط نضالي محلي باعتباره تهديداً محتملاً للوضع السياسي الحالي. أما إشاعة روح التسامح، فتعد سياسة هامشية بالنسبة للكريملن– علاوة على أنها غير كافية مقارنة مع تفشي كراهية الأجانب السائدة حالياً في البلاد. فبدلاً من مواجهتها، اختار "الكريملن" استمالة المشاعر القومية الآخذة في الانتشار؛ حيث دعا الرئيس فلاديمير بوتين في أكتوبر الماضي إلى "اتخاذ تدابير إضافية للنهوض بالتجارة في أسواق البيع بالتجزئة حمايةً لمصالح الصناع الروس وسكان روسيا الأصليين". وقد كرر بوتين هذا القلق، بشكل أكثر توازناً في مؤتمره الصحفي السنوي يوم الخميس الماضي حين قال "إن مشكلات سوق العمل لم تُحل لمصلحة مواطني روسيا". والحال أن المراقبة الحكومية وجدت أن العمال المهاجرين بالأسواق الروسية لا يشكلون مشكلة وطنية؛ ذلك أنهم لا يوجدون بنسب عالية مقارنة مع السكان الروس سوى في موسكو والشرق الأقصى من البلاد. وهو أمر غير مفاجئ في الواقع، ذلك أن هاتين المنطقتين تعرفان نقصاً في اليد العاملة، ما يجعل من العمال المهاجرين ضرورة ملحة. إذ يتم سد هذا النقص، في الشرق الأقصى بالقرب من الصين، من قبل العمال الصينيين، الذين يعبر العديد منهم الحدود من أجل بيع بضائعهم رخيصة الثمن. وقد دفع القانون الجديد التجار الصينيين إلى التخلص من منتجاتهم بأثمان بخسة ومغادرة البلاد. وبموازاة مع ذلك، تشير الأخبار المحلية إلى أن الأسواق باتت فارغة من السلع؛ وفي هذا السياق كتبت صحيفة "سخالين" تقول "تبدو إيجابيات القانون الجديد فضفاضة وغامضة، في حين أن سلبياته واضحة وجلية ... في الوقت الراهن لا يوجد بديل للبضائع الصينية الرخيصة والفواكه الجنوبية". وقد عكس تصريحُ مسؤولٍ في موسكو هذا القلق بتساؤله: "هل نريد ترك سكان موسكو بدون مندرين، وعنب، ومشمش جاف؟". والواقع أن ثمة مشاكل أخرى يرتقب أن تظهر في المقبل من الأيام؛ ذلك أن القانون المذكور يجيز للمشغلين إلغاء العقود التي تجمعهم بالعمال المهاجرين من دون حكم قضائي. وهكذا، فمن غير المستبعد أن يجد عدد كبير من العمال المهاجرين أنفسهم من دون عمل. وفي غضون ذلك، من المستبعد أن يُقبل سكان موسكو على وظائف البيع في الأسواق نظراً لأجرها الزهيد. وفي هذا السياق، يرى أحد المسؤولين الروس:"إن المواطنين الروس لا يقفون حالياً في طوابير لملء الوظائف الثلاثين ألفا التي سيتم إخلاؤها بمقتضى القانون الجديد؛ إنه فراغ خطير ينبغي سده قبل الأول من أبريل". الحقيقة أنه كان على المسؤولين الروس أن ينتبهوا إلى هذه العواقب قبل سن القانون؛ غير أنه لم يكن ثمة على ما يبدو، ما يكفي من الوقت -أو الإرادة- لمناقشة القانون، وخصوصاً عندما تكون المبادرة صادرة عن الرئيس شخصياً. فبعد أن طلب بوتين من وزرائه حماية الصناع الروس في الأسواق بوقت قصير، أصدرت الحكومة مرسوماً يحد من وجود الأجانب في تجارة البيع بالتجزئة؛ وفي غضون أقل من ثلاثة أشهر، تمت صياغة مشروع القانون والمصادقة عليه في غرفتي البرلمان، ليصبح بذلك قانوناً. هذه الأعمال وغيرها تقضي كذلك على ما تبقى من احترام للقانون والتشريع هنا؛ إذ يُتوقع البعض أن يعمل المسؤولون المحليون على إيجاد طرق للتحايل على هذه التضييقات القانونية، في حين يتوقع آخرون أن يجد البعض في القانون الجديد فرصة جديدة للابتزاز. وثمة من يتوقع أن تؤدي بعض مقتضيات القانون والضرر الذي يلحقه بالمستهلكين إلى مراجعته. وبالفعل، فبعيد صدور القانون، صرح "جورمن غريف"، وزير التنمية الاقتصادية والتجارة الروسي، بأنه من غير المستبعد أن يتم إلغاء الحظر الشامل على توظيف العمال الأجانب المهاجرين مستقبلاً. ماشا ليبمان ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتبة متخصصة في الشؤون الروسية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"