لقد تضاءلت توصيات تقرير "مجموعة دراسة العراق" ما أن أعلن الرئيس جورج بوش استراتيجيته الجديدة الخاصة بإحراز التقدم هناك. وبموجب هذه الاستراتيجية الجديدة، فقد انصرفت أنظار إدارة بوش عن أهم التوصيات التي تضمنها تقرير المجموعة الثنائية الحزبية المذكورة المؤلفة من عشرة أعضاء، بما فيها انسحاب القوات المقاتلة في وقت مبكر من حلول عام 2008 المقبل، فضلاً عن إطلاق مبادرة دبلوماسية إقليمية، تشمل بين ما تشمل أطرافها، كلاً من سوريا وإيران. والشاهد أن إدارة بوش، إما قللت كثيراً من شأن هذه التوصيات، أو جرى تجاهلها جملة وتفصيلاً. وتعلق الآمال الآن في أن تتعامل الإدارة على نحو أفضل مع توصيات اللجنة نفسها الخاصة بأفغانستان. هذا وقلما لاحظ الكثيرون، ساعة صدور التقرير في نهاية شهر ديسمبر المنصرم، تلك التوصيات الثلاث التي تضمنها، حول العلاقة بين حل المأزق العراقي، ونتائج النجاح المنشود للمهمة الأميركية في أفغانستان. وبالإضافة إلى ذلك، فإن "الليفتنانت جنرال" كارل إيكنباور، قائد القوات الأميركية المنتهية مدته في أفغانستان، قد تنبأ بتصعيد القتال والعمليات العسكرية المناوئة لقواتنا هناك، من قبل مقاتلي حركة "طالبان"، بحلول موسمي الربيع والصيف المقبلين. وهذا ما يستدعي أن يولي كل من الكونجرس وإدارة بوش، اهتماماً خاصاً لما جاء في توصيات وملاحظات مجموعة دراسة العراق، بشأن أفغانستان. وتتعلق الملاحظة الأولى، بأن تسخير الولايات المتحدة الأميركية كل دعمها السياسي والعسكري والاقتصادي للعراق، قد صرف الأنظار بالضرورة عن الجبهة الأفغانية. كما يلاحظ أيضاً أن المجموعة المذكورة، قد اعترفت بما دأبت إدارة بوش دائماً على نفيه وإنكاره، أي استتباب الأمن وإعادة إعمار أفغانستان. فالحقيقة أن هاتين المهمتين لم يتوفر لهما من الكادر البشري ولا التمويل ما يلزم لتحقيقهما، بسبب الانشغال التام عنهما بالجبهة العراقية. وعلى حد تعبير السيناتور "تشاك هاجل" من ولاية نبراسكا، فقد تم شفط كل ذرة من الأوكسجين في أفغانستان، بسبب الانهماك في المأزق العراقي. واليوم، فإن عدد القوات العسكرية المقاتلة في العراق، يعادل ما يقارب سبعة أمثال القوة العسكرية الأميركية الموجودة في أفغانستان. وهي بلغة الأرقام حوالى 140 ألف جندي في العراق، قياساً إلى ما يزيد قليلاً على 20 ألف جندي أميركي فحسب في أفغانستان. أما في العراق، فقد بلغ حجم إنفاقنا المالي على الحرب العراقية 400 مليار دولار، أي بمعدل 8 مليارات دولار شهرياً، في حين لم يزد حجم إنفاقنا العسكري والمساعدات الاقتصادية المخصصة لأفغانستان، طوال السنوات الخمس الماضية، على 12,5 مليار دولار فحسب! أما ملاحظة المجموعة الثانية، فتتلخص في أن نشر المزيد من قواتنا العسكرية في العراق، سيؤثر سلباً بالضرورة على توفير ما يكفي من موارد عسكرية واقتصادية لأفغانستان. وقد أصابت مجموعة دراسة العراق، في القول باستنزاف القدرات العسكرية الأميركية. وعليه فقد خلصت المجموعة نفسها إلى القول إنه لم يعد لأميركا ما يكفي من الجنود ولا المعدات الحربية ولا الموارد المالية ما يبرر زيادة وطول أمد بقاء قواتنا في العراق. ولما كان ذلك هو واقع الحال، فلابد إذن من أن نختار ما هو أكثر حكمة وسداداً بين مجموعة الخيارات المتاحة أمامنا. وعلى حد رأي السيناتور "جوزيف بايدن"، رئيس لجنة العلاقات الخارجية الجديد بمجلس الشيوخ، فإن خيار زيادة عدد قواتنا في العراق، ليس بالخيار الحكيم، بأي حال من الأحوال. وبهذا نصل إلى الملاحظة الثالثة والأخيرة من ملاحظات "لجنة دراسة العراق"، فيما يتصل بنجاح جهودنا في أفغانستان. وقد جاءت صياغة هذه الملاحظة تحذيرية ومباشرة على النحو التالي: بقدر ما يطول أمد انشغالنا المالي والسياسي والعسكري بالعراق، بقدر ما تتضاءل فرص نجاحنا في إحراز أي تقدم هناك، وبقدر ما ازدادت فرص فشلنا في أفغانستان. وقد شملت تكهنات المجموعة في هذا الصدد، القول بأن من بين العواقب السلبية الوخيمة لإطالة أمد تورطنا السياسي والعسكري والاقتصادي في العراق، احتمالات العودة مجدداً إلى خانة الصفر التي كنا قد غادرناها وتركناها خلفنا في الحادي عشر من سبتمبر 2001، هناك في أفغانستان. "ففيما لو أحكمت طالبان قبضتها ونفوذها على الجزء الغالب من أفغانستان، فإن ذلك سيوفر لحليفها تنظيم "القاعدة" الفضاء السياسي الذي يحتاجه لشن المزيد من عملياته وهجماته الإرهابية. ومما لاشك فيه أن تطوراً كهذا، ستكون له تداعياته الأمنية الوخيمة على الولايات المتحدة الأميركية والكثير غيرها من دول العالم". ذلك هو ما جاء في نص تقرير لجنة "بيكر- هاملتون" التي أوصت كذلك في إطار التصدي لمخاطر عدم التوازن في سياسات الولايات المتحدة إزاء كل من العراق وأفغانستان، بما يلي: "إنه لمن الأهمية بمكان، أن تقدم الولايات المتحدة المزيد من الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري لأفغانستان، بما في ذلك ما قد يتوفر من موارد إضافية، نتيجة لانسحاب قواتنا المقاتلة من العراق". وضمن الخطى السريعة في الاستجابة لهذه المتطلبات، أوصت لجنة "بيكر- هاملتون" كذلك بالاستجابة للطلب العاجل الذي تقدم به القائد العام لقوات حلف "الناتو" في أفغانستان، بشأن إرسال المزيد من القوات والتعزيزات العسكرية إلى هناك. والآن فإن على وزير الدفاع الأميركي الجديد، روبرت غيتس، اتخاذ إجراءات عملية بهذا الخصوص. وفي إجراء كهذا ما يؤكد مضمون الرسالة التي تلقاها خلال هذا الأسبوع، في أول زيارة له إلى القيادة العامة لقوات الناتو "أن تحقيق النصر والنجاح في أفغانستان، لهما في مقدمة أولوياتنا". وكان "بيكر" و"هاملتون"، أكدا في الفقرة الافتتاحية الأولى من تقريرهما أنه ليس ثمة حل سحري للمأزق العراقي، ولا للمشكلات الحالية التي نواجهها في أفغانستان. غير أنهما أوضحا في الوقت نفسه، أن هناك حزمة من الإجراءات والتدابير الممكن اتخاذها بغية تحسين الوضع الأمني في العراق، ولحماية المصالح الأميركية هناك. وتنطبق الوجهة نفسها، على تصدينا للمشكلات والمصاعب الكبيرة التي نواجهها حالياً في أفغانستان. واليوم وعلى أساس العمل الثنائي الحزبي، فإن على إدارة بوش، والكونجرس الجديد بقيادة "الديمقراطيين"، بلورة خطة طريق جديدة "للمضي معاً إلى الأمام" في أفغانستان. على أن خطة كهذه، تستوجب التزاماً أمنياً طويل الأمد، وكذلك التزاماً مشابهاً في مجال الدعم المقدم لأفغانستان، في حربها ضد المخدرات. وإنه لغني عن القول إن أفغانستان تستحق الاهتمام والأولوية، وتوفير الموارد اللازمة لنجاح تجربة تحولها الديمقراطي. كارل إف. إندرفيرث ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مساعد سابق لوزير الخارجية الأميركية لشؤون جنوبي آسيا، 1997-2001 وأستاذ حالي بكلية "جورج إليوت" للشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"