إن حلاً عسكرياً للحرب الوحشية التي تشنها إسرائيل على لبنان والشعب اللبناني غير مقبول أخلاقيا وغير واقعي. ولذلك فنحن في لبنان ندعو المجتمع الدولي والمواطنين في كل مكان إلى دعم سيادة بلدي وإنهاء هذه الحماقة الآن. كما نلح على أن تحترم إسرائيل القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك اتفاقيات جنيف، والذي قامت مراراً وتكراراً بانتهاكه عن قصد. فبينما العالم يتفرج، تقوم إسرائيل بمحاصرة بلدنا وتدميره، متسببة في كارثة إنسانية وبيئية، ومدمرة بنانا التحتية واقتصادنا، ومعرضة نظامينا الاجتماعي والاقتصادي لضغط لا يُحتمل. فالوقود والأغذية والمعدات الطبية بدأت تنفد، والمنازل والمصانع والمخازن هُدمت، والطرق قطعت، والجسور حُطمت، والمطارات قصفت. كما أن الأضرار التي لحقت بالبنى التحتية لوحدها تقدر بمليارات الدولارات، وكذلك الخسائر التي تكبدها أصحاب الممتلكات الخاصة، فضلاً عن أن الكلفة بعيدة المدى المباشرة وغير المباشرة الناجمة عن الخسارة التي تكبدتها قطاعات السياحة والزراعة والصناعة تقدر بالمليارات أيضاً. وواقع الحال أن ما حققه لبنان على مدى 15 عاماً من التنمية بعد انتهاء الحرب الأهلية تم محوه في أيام معدودات على يد القوة الإسرائيلية العسكرية القاتلة. ولذلك كله، وبالنظر إلى جميع المذابح المرتكبة، نطالب باسم جميع اللبنانيين بتحقيق دولي لكشف النقاب عما ارتكبته إسرائيل من أعمال إجرامية في لبنان، ونلح على أن تدفع إسرائيل تعويضات عما خلفته من قتل ودمار. ويبدو أن إسرائيل اعتقدت أن هجماتها ستبث الفرقة والشقاق في أوساط اللبنانيين، غير أن هذا لن يحدث أبداً. ولذلك، على إسرائيل أن تعلم أن الشعب اللبناني سيظل متماسكاً وموحداً أمام هذا العدوان الإسرائيلي–الغزو السابع- تماماً مثلما كان طيلة عقدين من الاحتلال الهمجي. والواقع أن عزيمة الشعب واستعداده للمقاومة يزدادان قوة وصلابة بعد كل بلدة تدمر ومذبحة تُرتكب. لقد اقترحت في الخامس والعشرين من يوليو بالمؤتمر الدولي حول لبنان الذي عقد بروما مخططاً شاملاً يقوم على سبع نقاط. وقد لقي هذا المخطط استحسان المؤتمر، وحظي بدعم مجلس الوزراء اللبناني الكامل والتام، الذي يعد "حزب الله" طرفاً فيه، وأيضاً دعم رئيس البرلمان وأغلبية من الكتل البرلمانية. كما أيده ممثلو شرائح مختلفة من المجتمع المدني اللبناني بقوة؛ وكذلك فعلت القمة الإسلامية-المسيحية، التي تمثل جميع الطوائف الدينية، وهو ما يضمن إجماعاً وطنياً واسعاً، ويصون توزاننا الاجتماعي الدقيق. ويقضي المخطط، الذي حظي أيضاً بالدعم الكامل للدول الست والخمسين الأعضاء في "منظمة المؤتمر الإسلامي"، بوقف فوري وشامل من دون قيد أو شرط ويدعو إلى ما يلي: -الإفراج عن السجناء والمعتقلين اللبنانيين والإسرائيليين عن طريق اللجنة الدولية للصليب الأحمر. -انسحاب الجيش الإسرائيلي إلى وراء "الخط الأزرق". -التزام مجلس الأمن الدولي بوضع مزارع شبعا وتلال كفر شوبا تحت وصاية الأمم المتحدة إلى حين رسم الحدود وبسط السيادة اللبنانية عليهما بالكامل. وإضافة إلى ذلك، يجب على إسرائيل أن تسلم الأمم المتحدة جميع الخرائط المتعلقة بحقول الألغام المتبقية في جنوب لبنان. -بسط سلطة الحكومة اللبنانية على كامل ترابها بواسطة قواتها المسلحة، على ألا يكون ثمة سلاح أو سلطة عدا سلاح الدولة اللبنانية وسلطتها كما ينص على ذلك "اتفاق الطائف". وقد أشرنا إلى أن القوات المسلحة اللبنانية مستعدة وقادرة على الانتشار بجنوب لبنان، إلى جانب قوات الأمم المتحدة هناك، عندما تنسحب إسرائيل إلى الحدود الدولية. -تعزيز القوة الدولية التابعة للأمم المتحدة العاملة جنوب لبنان وتحسين عددها ومعداتها وصلاحيتها ونطاق عملها، حسب الحاجة، للقيام بعمليات الغوث الإنسانية العاجلة وضمان الأمن والاستقرار بالجنوب حتى يتمكن النازحون من العودة إلى ديارهم. -اتخاذ الأمم المتحدة للتدابير الضرورية من أجل تفعيل اتفاقية الهدنة لعام 1949 الموقعة من قبل لبنان وإسرائيل مرة أخرى وضمان الالتزام بمقتضياتها، إضافة إلى بحث إمكانية إدخال تعديلات عليها أو تطوير تلك المقتضيات كلما توجب ذلك. -التزام المجتمع الدولي بدعم لبنان على جميع المستويات، ومن ذلك عمليات الإغاثة وإعادة الإعمار والتنمية. لقد قررت الحكومة اللبنانية، في إطار هذا المخطط الشامل وفي ظل دعم داخلي قوي، نشر القوات المسلحة اللبنانية بجنوب لبنان لتكون القوة العسكرية الداخلية الوحيدة بالمنطقة إلى جانب القوات الأممية هناك عندما تنسحب إسرائيل إلى الحدود الدولية. غير أن إسرائيل ردت عبر تقتيل المزيد من المدنيين في قانا؛ والمشاهد الفظيعة تتكرر يومياً منذ قرابة أربعة أسابيع، وتستمر إلى حين كتابة هذه السطور. الواقع أن أي حل لهذه الحرب يجب أن يكون منسجماً مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وليس فقط القرارات التي تنتقيها إسرائيل، التي تستحق ما تتعرض له من نبذ بسبب ازدرائها الدائم ورفضها للقانون الدولي ورغبات المجتمع الدولي لأكثر من نصف قرن. إن لبنان يدعو مرة أخرى الأمم المتحدة إلى فرض وقف فوري لإطلاق النار رفعاً للمعاناة عن الشعب اللبناني المحاصر. حينها فقط يمكن الخوض في الأسباب الحقيقية للحرب– وهي الاحتلال الإسرائيلي لأراض لبنانية، وتهديده الدائم لأمن لبنان وسعيه إلى استرجاع كامل سيادته على ترابه. إنني أؤمن بأن حلاً سياسياً ينسجم مع القانون الدولي ويستند إلى هذه النقاط السبع سيؤدي إلى استقرار طويل الأمد بالمنطقة. فلو أن إسرائيل تدرك أن شعوب الشرق الأوسط لا يمكن إخضاعها بواسطة التهديدات، وأنها لا تتطلع سوى إلى العيش في ظل الحرية والكرامة، فإن ذلك قد يشكل أيضاً طريقاً إلى حل نهائي للنزاع العربي-الإسرائيلي برمته، والذي تتخبط فيه منطقتنا منذ ستين عاماً. لقد أظهرت القمة العربية التي انعقدت في بيروت عام 2002، والتي دعت إلى سلام دائم وشامل وعادل يستند إلى مبدأ الأرض مقابل السلام، الطريق الذي ينبغي سلكه. غير أن أي حل سياسي لا يمكن تطبيقه طالما استمرت إسرائيل في احتلال الأراضي العربية في لبنان وغزة والضفة الغربية ومرتفعات الجولان السورية، وطالما تواصل شن الحرب على شعبي لبنان وفلسطين البريئين. وكما قال "جواهر لال نهرو"، فإن "البديل الوحيد للتعايش هو التدمير المتبادل". كفانا تدميراً واحتلالاً ويأساً ونزوحاً وقتلاً! يجب أن يُسمح للبنان بأخذ موقعه في هذه المنطقة الساخنة كمنارة للحرية والديمقراطية حيث يسود العدل وحكم القانون، وكملاذ للمقموعين والمضطهدين حيث يعم الاعتدال والتسامح والتنوير. ــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"