الديكتاتورية تولد اليأس في المجتمع، واليأس يقود إلى النظر المتشائم، وإلى اكتشاف الشعب لزيف الوهم الذي كان يعيش فيه· وهذا الاكتشاف يقود بدوره إلى اليأس، وانعدام الأمل، وتبني رؤى انهزامية·
هذا الأمر سائد في باكستان وفي غيرها من الدول التي تحررت من الاستعمار لتجد نفسها وقد وقعت في قبضة الديكتاتورية·
وفي الديكتاتوريات تجد المطامع الشخصية مناخا خصبا، حيث يسعى كل شخص إلى الحصول على ما يستطيع الحصول عليه: قطعة أرض، إذن استيراد أو وظيفة، أو أي شيء يمكن أن تطوله يداه· والديكتاتورية بطبيعتها تولد ثقافة الفساد، التي تقود بدورها إلى الفقر، وإلى انقسام الشعب إلى فئتين فئة قليلة تملك كل شيء·· وأغلبية ساحقة لا تمتلك شيئا· أما في حالة تعدد الأحزاب فلا يحدث شيء من هذا، حيث نرى قادة الأحزاب يدعون أعضاءها إلى التخلي عن مصالحهم الشخصية من أجل مصلحة الوطن، وإلى لتضحية من أجله بكل شيء: الحرية والشباب والصحة والعائلة بل والحياة نفسها إذا ما لزم الأمر·
والمجتمعات الغنية وصلت إلى ما وصلت إليه بفضل سيادة القانون، حيث يقوم القضاء دونما وجل أو خوف بالتصدي لتجاوزات الحكومات من أجل حماية مصلحة الفرد، وهو مبدأ العدل والإنصاف نفسه الذي قامت عليه الحضارة الإسلامية وتمكنت من خلاله من الوصول إلى ذرى المجد·
أما في القرن الذي نحن فيه، وهو القرن الحادي والعشرون، فنرى أن هناك خطرا من أن تقوم القيادة بخيانة ثقة الشعب، وتتنكر لماضيه البطولي، وأن خطرا من اختفاء إرث النضال من أجل حكم القانون، وتحرير المجتمع، وذلك بسبب أفراد قلائل يستخدمون القوة للحصول على ما يريدونه بصرف النظر عن أي شيء·· نعم بصرف النظر عن أي شيء·
والتاريخ حافل بنماذج الأشخاص الذين انتهى بهم الحال إلى هامش التاريخ بعد أن ألبسوا الباطل ثوب الحق، من أجل تحقيق غايات ظنوا أنها تبرر الوسيلة· وهذا النهج تحديدا، هو الذي جعل الحضارة الإسلامية تنحرف عن مسارها، بعد فترة طويلة وصلت فيها إلى ذرى سامقة من المجد والفخار· فالعظمة لا تستقر سوى على أساس راسخ من العدل، والحضارات تتهاوى عندما تضيع الحدود الفاصلة بين ما هو حق وبين ما هو باطل·
إن منظومة القيم الأخلاقية، تؤكد على أن الحق أقوى من القوة، وأن الأمم تزدهر عندما تتم المساواة بين الضعيف والقوى، بين الفقير والغني· والأسس الأخلاقية للفرد هي التي تحقق له النجاح والازدهار بصرف النظر عن منبته الاجتماعي· ومن أجل بناء مجتمعات تقوم على مبادئ الأخلاق القويمة، قدم الكثيرون كل ما لديهم خلال موجة الحركات المضادة للاستعمار، التي أدت إلى تحرير الكثير من الدول في قارات العالم في القرن العشرين·
واليوم نجد أن تلك الدول وخصوصا تلك الموجودة في القوس الممتد ما بين عدن في اليمن وحتى مضايق ملقا تتعرض لخطر التفكك، وهو الخطر الذي يأتي أساسا من أنظمة الحكم القائمة على الاستبداد في تلك الدول·
إن القادة الطغاة يستخدمون القمع والظلم والفساد وذلك من أجل رشوة أو إرهاب الأرواح الخيرة، وإجبارها على إذلال نفسها، والتحول إلى كائنات وضيعة· ما هو أخطر من ذلك هو أن تلك الممارسات تؤدي إلى اهتراء نسيج المجتمع الذي تقوم عليه في النهاية عظمة الأمة· وعند ذاك يبدأ الخوف في التحكم في الأفعال وردود الفعل ليحل محل الثقة النابعة من الاطمئنان، إلى أن العدالة ستأخذ مجراها في كافة الظروف·
ربما لهذا السبب أكدت الأديان السماوية العظيمة أهمية كلمة عادل · فالله سبحانه وتعالى عادل دائما لا يأتي حكمه أي باطل من بين يديه ولا من خلفه· ونظرا إلى أنه جلت حكمته قد خلق البشرية على صورته فإن البشرية يفترض أن تكون عادلة كذلك· أما عندما تخفق البشرية في التصرف على أساس من العدل فإنها تفقد جوهر روحها السامية، وبدون روح، فإن الحياة ذاتها تضل مسارها ولا يعود متبقيا أمام الإنسان إلا الجمود والموت·
وإسلام أباد تمثل حالة ينطبق عليها ما نقوله ·فنتيجة لتزوير الانتخابات وتزييف البرلمان، وإغراء أعضائه ببيع أنفسهم، وشجب القضاة من قبل نقابة المحاميين، فإن أطفالنا أصبحوا يعانون مر المعاناة سواء في باكستان أو في غيرها· كما تتعرض تربيتهم إلى المعوقات بسبب عدم قدرة المجتمع على التفريق بين الحق والباطل·
والشرق الأوسط يقدم هو الآخر نموذجا يمكن أن ندرسه كحالة ينطبق عليها كلامنا أيضا· فها نحن نرى أن الإسرائيليين والفلسطينيين فيه، لم يعودوا يأبهون بحياة أبناء شعبيهما بعد أن أصبحت الأهداف التي يوجهون إليها نيرانهم ليست عسكرية كما ينبغي، وإنما أهدافا مدنية يتم انتقاؤها بشكل عشوائي· ومن الطبيعي أن الكراهية لا تولد سوى الكراهية، ونيران الكراهية تجعل التفكير الرشيد والمنطقي أمرا مستحيلا·
ها نحن نجد اليوم أيضا أن زعيما إسرائيليا يهدد باغتيال رئيس الفلسطينيين· إن ذلك ليس إلا تعبيراً عن الزمن الذي نعيش فيه، والذي أصبح من الممكن أن يتم في إطاره توجيه مثل تلك التهديدات· والشيء الذي يدعو إلى الشعور بمزيد من الأسى، أن تلك التهديدات أصبحت تق