تأخذ قناة جونجلي التي تشترك فيها مصر مناقشات مصرية متنوعة وبخاصة في الموارد والبيئة والتنمية المستدامة، وهي تثير ثلاث مشكلات: أولاها تتعلق بطبيعة منطقة جونجلي نفسها وأراضيها المغمورة في جنوبي القطر السوداني، وثانيها حزام الصحراء الزاحفة والمتحركة جنوباً والمحتضنة حالياً للخرطوم في وسط البلاد، أما الثالثة والأخيرة فهي بحيرة النوبة في أقصى الشمال خلف السد العالي في مصر بكل ثرواتها من مياه وطمي وأسماك حيوية وآثار تعود إلى الحضارة النوبية، أقدم حضارات البشر· وتكون منطقة جونجلي جزءاً من منطقة البحيرات بسبب إعاقة الملاحة إذ تندفع المياه من منطقة البحيرات الاستوائية في وسط إفريقيا·
وتبلغ مساحة السودان نحو 2,5 مليون كم2 ويبلغ عدد سكانه أكثر من 30 مليونا وعدد المسلمين أكثر من 82% وعدد الوثنيين حوالي 14% وهو مؤلف من 750 قبيلة حيث تشكل الاثنيات العربية 40% والزنجية 30%، وتحيط به تسع دول أفريقية· وقناة جونجلي تدخل السودان ثم تتفرع قرب مستوطنة جونجلي إلى فرعين هما نهرا الجبل والزراف، لا يستوعب مياههما القناة فتفيض على الأراضي المجاورة وهي منخفضة لا يزيد انحدارها عن 10 سنتم/كم لتنغمر مساحة نحو قدرها 800 كلم2 وتتضاعف عدة مرات عند فيضان النهرين ومع غزارة الأمطار، فترتفع نحو مترين فوق سطح السهل المغمور· ويعمل التبخر والأمطار على خلق بيئة فريدة تضم تنوعاً حيوياً من الأسماك والطيور والتماسيح والنباتات التي تضم أعشاب النيل· ومنطقة جونجلي هي واحدة من ثلاث مناطق هي: منطقة جونجلي، ومنطقة مشاد، ومنطقة بحر الغزال· ولا يعرف بالدقة عدد سكان منطقة جونجلي ولكن التقديرات تفيد أنهم بين 500,000 و800,000 نسمة يعيشون حياة بدائية ويقيم بعضهم قرب ''ملكال'' وتتكون ثروتهم من الأبقار· وقد بدأ التفكير في تجفيف المنطقة بغرض زيادة تدفق نهر النيل وذلك في عهد الإدارة الثنائية للبلاد (1899-1955)· ويبلغ طول القناة 280 كلم وعرضها 2 م· وهي تحمل 20 مترا مكعبا في اليوم فتزيد تدفق النيل بمعدل 4,7 مليار متر مكعب سنوياً·
أما مصر فقدر عدد السكان فيها بنحو 89,6 مليون نسمة عام ،2004 ويقدر أن يصل بحلول عام 2025 أكثر من 100 مليون نسمة· وفي عام 1929 حين كانت كل المنطقة تحت الحكم الانجليزي أبرمت مصر ''اتفاقية مياه النيل'' التي وزعت المياه بين مصر والسودان بنسبة 1/12 فأعطت مصر كمية 48 مليار متر مكعب سنوياً والسودان كمية 4 مليارات وفي عام 1959 جرت مراجعة للاتفاقية فزيدت حصة السودان إلى 18,5 مليار م3 ومصر إلى 55,5 مليار م·3 أما بقية دول الحوض والتي تمر بها روافد النيل فأعطتها جزءاً صغيراً وظلت مصر تتمسك بالمراجعة وتسارع بالتهديد باللجوء إلى القوة إذا جرى المساس بحصتها وذلك في عهد الرئيس أنور السادات· أما الحكومة الحالية فقد رضخت للضغوط الأفريقية وقبلت بمراجعة أولية للاتفاقية· وقد أذاعت محافظة القاهرة تقريراً أعلنت فيه أنها تفقد سنوياً مليارا ونصف المليار م3 من مياه الشرب النقية بسبب غياب الوعي المائي لدى المواطن المصري الذي يثور حين يتلقى أنباء عن عرض إسرائيلي لسقي صحراء النقب عبر ''ترعة السلام''·
النيل يمر بتسع دول تأوي ما يربو على 300 مليون نسمة· وكل حكوماتها تطالب بوضع اتفاقيات جديدة مقبولة من الجميع، وأولى هذه الحكومات اثيوبيا التي يغذي مصر نيلها الأزرق بنحو 84%· ومن هنا تتصاعد النزاعات· ولتحاشي هذه النزاعات لا بد أن يأخذ الاعتبار عاملين أساسيين: أولهما ألا تستثنى أي دولة من دول الحوض أو التي يمر النهر عبر أراضيها من المحادثات، والثاني ألا تقتصر مشروعات الاتفاقيات على مجرد توزيع الحصص وإنما على تنمية موارد النهر وإعادة النظر في مشروع البنك الدولي لعام ·2001
يبدو مشروع قناة جونجلي غارقاً في التعقيد مثيراً للجدل والمخاوف لكن النظر إلى خط الصحراء الزاحف جنوباً يستوجب تجفيف منطقة جونجلي جزئياً أو كلياً وهو لابد أن يجلب تغييرات بيئية·
وليست القضية محلية فالعالم اليوم أصبح يعي بدقة تهديدات ارتفاع درجة حرارة الأرض والجفاف وزحف الصحراء ويشعر بالجهود التي تبذل لمكافحة هذه التهديدات التي هدفها إثبات الصلة بين السلام والبيئة· ومن المفيد هنا أن نذكر أن جنوبي السودان تبلغ مساحته 646000 كلم،2 أي ربع مساحة القطر السوداني كله، أما إذا قدرنا الجنوبيين بـ 40% من أهل السودان فسيبلغ عددهم 13 مليوناً· أما الشريك الاستراتيجي فهو أوغندا وبخاصة في تخزين المياه في بحيرتي فكتوريا وألبرت وضبط إيراد المياه الخارجة من بحيرة ألبرت بحسب الحاجة· لكن جنوبي السودان مشغول بالحرب والقتال·
إن مهمــة الســودان الأولى هي إنهاء الحرب في جنوب البلاد حتى يتفرغ لبناء مشروع جونجلي تفرغاً كاملاً·