هناك العديد من الدلائل التي تشير بوضوح إلى أن البلدان المتطورة والمستهلكة للنفط زادت في الآونة الأخيرة من وتائر اهتماماتها وبحوثها الرامية إلى إيجاد بدائل للنفط في العقود القليلة القادمة، وبالاخص تطوير استخدامات الهيدروجين، كمصدر رخيص ونظيف للطاقة.
وفي هذا الجانب أعلنت الولايات المتحدة الأميركية، باعتبارها أكبر مستهلك للطاقة في العالم أنها أعدت برنامجا متكاملا لانتاج وتحويل مئات الآلاف من المركبات للعمل بوقود الهيدروجين، كما تنوي اليابان وبعض البلدان الاوروبية وضع برامج مشابهة، مما يعني حدوث تغير مهم في ميزان الطاقة العالمي لغير صالح الثروة النفطية.
وفي الوقت نفسه تتطور بشكل ملفت للنظر مصادر الطاقة الاخرى، كالغاز الطبيعي والطاقة الشمسية والرياح.
ويشكل ذلك تحديا حقيقيا للبلدان العربية، وبالأخص للبلدان المصدرة للنفط والتي لا زالت اقتصادياتها تعتمد بصورة شبه تامة على عائدات النفط، كمصدر للعملات الاجنبية ولتمويل الموازنة الحكومية.
لماذا يتزايد هذا الاهتمام في هذا الوقت بالذات؟ من الواضح أن بحيرات النفط العربية، وبالأخص في الخليج ستكون المزود الرئيسي لكافة بلدان العالم في العقود القادمة، إذ أن البدائل محدودة للغاية، فالاحتياطي الأميركي والأوروبي في بحر الشمال في طريقه للنفاد في السنوات العشر القادمة، كما أن بحر قزوين والذي طرح مرارا كبديل للخليج لا زالت احتياطاته لا تتجاوز 25 مليار برميل، أما إنتاجه فلايزيد عن 1.6 مليون برميل يوميا، وفي أحسن الأحوال فسوف يصل إلى 4.5 مليون برميل يوميا في عام 2010 حيث يشكل حجما هذا الاحتياطي والانتاج، ما يساوي احتياطي وإنتاج دولة متوسطة من دول الأوبك، علما من أن ذلك لا ينفي إمكانية اكتشاف احتياطيات إضافية في المستقبل.
وبما أن هذا الكنز الهائل من الثروة النفطية يقع في منطقة غير مستقرة ومعرضة لكافة الاحتمالات، فإن البلدان المتقدمة اقتصاديا تقوم منذ زمن بوضع الاستراتيجيات التي ستؤدي إلى التقليل إلى الحد الأدنى من تبعيات اقتصادياتها لمصادر الطاقة العربية، وبالاخص النفط، وهي في مساعيها هذه تحقق نتائج مهمة وبهدوء تام.
كيف يمكن التعامل عربيا مع هذا التغير ومع هذه التوجهات الجادة والرامية إلى تغيير موازين الطاقة في العالم؟
تساؤلات مصيرية لا زالت مراكز البحوث والمؤسسات ذات العلاقة في العالم العربي تتعامل معها بعدم اكتراث، كما أن البحوث والدراسات المنشورة في الغرب حول هذه التحولات والانجازات العلمية المتوالية التي تتحقق هناك تنشر، كأية أخبار عادية يتم نسيانها مع الانتهاء من شرب فنجان القهوة المصاحب لقراءة الصحف عند الكثير من القراء.
لا أزعم، بأن هذا التحول سيتم في السنوات العشر أو العشرين القادمة، فالأمر ربما يستغرق ثلاثة عقود، إلا أن ذلك سيحدث لا محال، فحصة النفط في ميزان الطاقة العالمي انخفضت خلال العقود الثلاثة الماضية من 65% إلى ما دون 40% في الوقت الحاضر.
أما في العشرين عاما القادمة فسوف يزداد اعتماد العالم على منطقة الخليج وسيوفر ذلك ثروات وأموالا إضافية ستتوفر من خلالها فرصة جديدة، وربما نادرة للبلدان النامية المصدرة للنفط لتنويع اقتصادياتها واستغلال عوائد النفط لإيجاد مصادر دخل بديلة، حيث تتوفر امكانيات كبيرة لإنجاز هذه المهام والتي تحتاج إلى مدة زمنية طويلة نسبيا، فالتنوع المنشود والذي حققته بعض الامارات النفطية السابقة في دولة الإمارات استغرق عقدين كاملين، إلا أنه أدى في نهاية المطاف الى إيجاد اقتصاد متنوع لا تتجاوز حصة النفط فيه أكثر من10% من إجمالي الناتج المحلي.
وعلى رغم أنه ليس بالضرورة أن تكرر التجارب الاقليمية نفسها، إلا أن التنوع يمكن أن يسير باتجاهات متعددة تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل بلد وكل مرحلة انتقالية، إلا أن التوجه الاستراتيجي لا بد وأن يرمي في كل الاحوال إلى إيجاد مصادر بديلة للدخل، مثلما يسعى الآخرون إلى إيجاد مصادر بديلة للنفط، وذلك لضمان الاستقرار والنمو الاقتصادي في البلدان المنتجة للنفط.