إذا كان ''عمير بيريتس'' الزعيم الجديد لحزب ''العمل'' داعية سلام مع الشعب الفلسطيني، فهذا لا يعني قط التأخر عن متابعة تحولات القوى الحزبية في إسرائيل، أو التسرع في الحديث عن بروز زعماء مسالمين وهادئين بطبيعتهم ويطلبون ود العرب، ذلك لأنهم جميعاً صهيونيون سالبو أرض فلسطين من شعبها· هذه التحولات لا تعني قط توجه إسرائيل ككل نحو السلام والعودة إلى الشرعية الدولية وتنفيذ قراراتها·
وإذا كان النظام الداخلي الإسرائيلي ديمقراطياً، فإن الالتزام بالشرعية الدولية هو محك الديمقراطية وتجربتها، دون انتظار مناسبات تغيير زعماء القوى الحزبية الإسرائيلية التي يجب أن تدون ذلك في أنظمتها، إضافة إلى برامجها الانتخابية·
لقد أتى أرييل شارون بحزب جديد سماه (كاديما-إلى الأمام) وتحدثت الصحف عن مدى فاعلية هذا الحزب شعبياً ومدى شعبية رئيسه الذي يدعي تمثيل(التيار المركزي) الذي عبر عنه رئيسه تعبيراً عملياً باستخدام القوة العسكرية ضد الشعب الفلسطيني وانتفاضته الثانية، والتبني المشروط بـ14 تحفظاً لـ(خريطة الطريق) وفي مقدمتها تنفيذ السلطة الفلسطينية واجباتها في المرحلة الأولى كشرط مسبق لتطبيق إسرائيل ما هو مطلوب منها في تلك المرحلة·
فبعد أن اعتاد الناخب الإسرائيلي على الخيار بين ''اليمين'' بقيادة تجمع (الليكود) الذي أسهم شارون في تقويمه وازدهاره في سبعينيات القرن الماضي وبين ''الوسط'' بقيادة حزب (العمل) الذي أنشأ إسرائيل وتولى شؤونها في سنواتها الثلاثين الأولى· وهو - أي شارون - طامع وطموح، حيث يتصور نفسه أحد أعمدة الهيكل الثالث وأنه منشىء إسرائيل الحديثة· ولا يفوقه شعبية سوى ''دافيد بن غوريون'' و ''موشيه ديان''· وهو محارب شجاع ومغامر جال وصال في الحروب التي اشتركت فيها إسرائيل، وهو الذي طرد الفلسطينيين من لبنان ولاحقهم من موقع اغتراب إلى موقع اغتراب· ثم أضعف السلطة الفلسطينية حينما سلبها بعض أراضي الضفة الغربية والقدس ومبدأ لا عودة للاجئين، وحينما جعل بين أهالي الأحياء والمدن والقرى سوراً، فاضطرت السلطة إلى الشكوى لدى محكمة العدل الدولية، ثم أحالت القرار إلى العمل السياسي الإسلامي والعربي والدولي لتنفيذه أو الإشراف على تنفيذه· وعندما تبين للشارع الفلسطيني أن الاعتماد على التحرك الدولي والإسلامي والعربي غير مجد، أخذ أمره على عاتقه، فاستمر في انتفاضته·
شارون يشعر بأنه أقوى زعيم في إسرائيل التي تؤيد في غالبيتها أهدافه الصهيونية، وبخاصة هدف إنشاء إسرائيل الكبرى· وقد كسب الرأي العام العالمي بعد أن انسحب من قطاع غزة- الذي عاود احتلاله في الأيام الأخيرة - وبعد أن حصل من الرئيس الأميركي جورج بوش الابن على رسالة الضمانات المشهورة القائلة بإبقاء الكتل الاستيطانية الكبرى في القدس والضفة الغربية المحتلتين تحت السيادة الإسرائيلية وإبقاء القدس ''موحدة'' وعدم السماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم· فلا عودة إلى حدود ،1967 ولا إلى السيطرة الفلسطينية على الموارد المائية، ولا إلى وقف بناء جدار الاستعمار والفصل العنصري· وهكذا أصبح شارون ''رجل سلام'' في المنطقة وبخاصة بعد خروج قواته من قطاع غزة، كما وصفه الرئيس الإميركي جورج بوش الابن على الرغم من إعلانه المتكرر أنه لن يقدم على انسحابات مماثلة· وهو الذي بنى أكثر من مائة مستعمرة يجول فيها أكثر من 300 ألف مستوطن·
وشارون اعتبر الانسحاب من القطاع أنه وفر لإسرائيل (فرصة تاريخية) لترسيم الحدود الدائمة التي لا يجوز لأحد أن يتصرف فيها أو يبددها، وأن (خريطة الطريق) سيتم تنفيذها بشكل تدريجي وليس وفق جدول زمني محدد· وهكذا يتم تفريغ المستعمرات التي تبقى خارج الحدود، وبخاصة تلك المستعمرات المحاطة بمدن وقرى فلسطينية مأهولة بالسكان· وستفرغ تلك المستعمرات التي لا يشكل عدد سكانها أكثر من 10% من عدد المستوطنين في الضفة الغربية·
لقد اضطر زعيم حزب (العمل) الجديد- وهو (عمير بيريتس)- إلى أن يعدل مواقفه الحمائمية· فأصبح شارون و''بيريتس'' زعيمي أكبر حزبين صهيونيين أصوليين مع العلم أن أولهما مجرم حرب، فاعتقل واغتال ودمّر· والآن أصبح برنامج الثاني مماثلاً لبرنامج الأول·