قد ينبهر مئات الملايين من مشاهدي التلفزيون بالمشاهد التي سجلتها أسلحة التكنولوجيا الفائقة في العام 1990-1991 أثناء حرب الخليج الثانية· ولهذا أطلق على الأسلحة التقليدية اسم ''الأسلحة غير الذكية''· ونظراً إلى التكلفة الباهظة للأسلحة الذكية، فقد أثار تقرير أصدره مكتب المحاسبة الفيدرالي في الولايات المتحدة بشأن الحرب الأميركية في العراق وتكاليفها، ضجة كبيرة، وبخاصة حينما قارنها المكتب المذكور بتكلفة الأسلحة غير الذكية· ويبدو أن إسرائيل كانت تعلم خطة الطريق وخطة تطوير دول الشرق الأوسط منذ قديم الزمان· فقد قررت في العام 2000 أن تجعل الجيش الإسرائيلي نموذجاً للجيش الذكي والصغير، إذ لم يفت إسرائيل أن تمسك بهذه الفكرة· فهي، في يقينها أنها قادرة على إذكاء الجيش، بمساعدة الولايات المتحدة، وراغبة في تصغيره في الوقت نفسه· ولهذا بدأ الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي بتداول فكرة الجيش الذكي الصغير·
ولقد نبعت هذه الفكرة من تلاقي أربعة عوامل رئيسية: أولا:حساسية المجتمع الإسرائيلي تجاه القتلى في الحروب، وبخاصة أن الصراع العربي- الإسرائيلي شهد حروباً عدة، ودام أكثر من خمسين عاماً، إلى جانب انتفاضتي الشعب الفلسطيني، الأولى والثانية اللتين أوقفتا خطة جعل الجيش ذكياً وصغيراً· ثانياً: التطور المتسارع في أنظمة الأسلحة بمختلف أنواعها، بحيث أصبحت هذه الأنظمة ذكية وغزيرة النيران وطويلة المدى· ثالثاً: قدرة إسرائيل الصناعية والعلمية والتكنولوجية على تصنيع أنظمة سلاحية متطورة، تلبي حاجة الجيش الإسرائيلي إلى إذكاء السلاح وغزارة النار ودقة التصويب وطول المدى· رابعاً: رغبة الإدارة الأميركية الحالية في احتضان إسرائيل وحمايتها وتأييدها في توسيع مستعمراتها وسلاحها النووي· في ضوء هذه العوامل صيغت خطة جعل الجيش الإسرائيلي ذكياً وصغيراً، على أساس أن هذا الجيش يشكل إحدى الفرق الأميركية التي يمكن إجراء التجارب عليها، فإذا نجحت عممت تلك التجارب على القوات المسلحة الأميركية· ويمكن القول: 1- إن فكرة الجيش الذكي والصغير قد دخلت الخطاب العسكري والاستراتيجي الإسرائيلي في مستوى رئاسة الأركان العامة ووضعت لها الخطط منذ العام ·2000 2- إن الوضع الراهن للجيش الإسرائيلي لا يوحي بأن هذه الخطط مطبقة بشقيها معاً· 3-تدل المعلومات، نتيجة للانتفاضة الثانية، على أن الجيش الإسرائيلي يتجه اليوم، وبخاصة في عهد حكومة ''الليكود'' الحالية، إلى الحفاظ على حجمه، وإلى التصعيد في تفوقه بفضل مساعدة الولايات المتحدة·
ونظراً إلى أن الدول الشرق أوسطية تشهد، في إطار عمليات التسوية الجارية حالياً، متغيرات جذرية في الانتقال من حالة الحرب إلى حالة السلم- فيما إذا حققت عمليات التسوية كامل أهدافها- فقد غدا من الطبيعي أن تعيد هذه الدول النظر في هيكلة جيوشها من حيث أحجامها وتسليحها وتكاليفها المالية على أساس أن تبقى إسرائيل أقوى من الدول العربية مجتمعة، وعلى أساس أن تكون إسرائيل النموذج الذي يُتبع في تصغير الحجم· ويمكن القول إن ''إعادة النظر'' هذه لم تبدأ بعد وحجة الدول العربية أن إسرائيل تملك السلاح النووي القاهر لجميع الأسلحة التقليدية التي تملكها الدول العربية في القرن الحادي والعشرين، وحجة إسرائيل أنها مضطرة إلى مواجهة ما تسميه بالإرهاب الفلسطيني·
لقد نما الجيش الإسرائيلي بعد حرب 1973 عدداً وعدة· ففي عشية الحرب، كان قوام الجيش 61500 جندي وهو اليوم أكثر من 161500أي أنه أكبر حجماً بالنسبة الى حجم الجيش 1973- ولديه 425000 من الاحتياطيين، إضافة إلى 107,500 من المكتتبين للتطوع في الجيش، في حين تضاعف عدد المدافع والدبابات والطائرات· لقد أصبح هذا الكم أكبر من طاقة المجتمع الإسرائيلي ما يؤثر على الوضع الاقتصادي· وإذا كانت العوامل المذكورة في مطلع الحديث قد لقيت تجاوباً من ذلك المجتمع فقد لقي إذكاء الجيش إجماعاً عاماً، ولم يجد تصغير الجيش الإجماع نفسه· وإذا كانت ''فكرة'' الجيش الذكي والصغير قد أوجدت في عهد أرييل شارون، فقد تعثرت خطط التنفيذ في عهد شارون نفسه، إذ وجد أن انتفاضة الشعب الفلسطيني والانسحاب من قطاع غزة قد طويا تلك الخطط وجعلاها غير ذات فائدة، وبخاصة أن الخطط المذكورة لن تطبق بشقيها أي أن تؤدي إلى جعل الجيش أكثر ذكاءً وأصغر حجماً· لهذا نلاحظ أن شارون منشغل في تغيير معالم المحيط الاستراتيجي فيقضي على الانتفاضة، ويغير جدول أولوياته، حتى أنه وضع في ذلك الجدول احتمال اعتداء مسلح على سوريا بمساعدة الإدارة الأميركية الحالية·