في الأسبوع الماضي انقلبت حرب بوش على الإرهاب رأسا على عقب. لكني أعتقد أن الرئيس سوف ينتبه هذه المرة، ذلك أن "رجالنا في العراق" بدأوا يتقدمون بخطوات ثابتة نحو أحد "محاور الشر". لذا فلا مناص من دق ناقوس الخطر، أو على الأقل هذا ما أعتقد.
أتحدث هنا عن تصريح مشترك صدر في طهران من قبل قادة العراق وإيران قال فيه الوزير الأول العراقي إبراهيم الجعفري: إننا نحتاج اليوم إلى مضاعفة جهودنا المشتركة لمواجهة الإرهاب الذي يمكن أن ينتشر في المنطقة والعالم. وقد جاء هذا التصريح على هامش الزيارة التي قام بها الوزير الأول رفقة عشرة من وزرائه إلى إيران عقب زيارة أخرى إلى طهران كان قد قام بها وزير الدفاع العراقي في وقت سابق. وبالطبع يأتي هذا التصريح المشترك ليدشن مرحلة جديدة من التعاون المتبادل بين الجارتين والذي تكلل بإقامة أنبوب لنقل النفط، بالإضافة إلى التعاون الأمني والاستخباراتي.
العجيب، أن الكل يبدو وكأنه بدأ يحارب الإرهاب!
ولكم تمنيت أن يكون الأمر صحيحا، لكني أعرف أنه ليس كذلك. وللتأكد ما عليكم إلا أن تنظروا في تفاصيل الزيارة، حيث عبر الجعفري خلالها عن تقديره واحترامه الكبيرين لمؤسس الحكم الديني في إيران آية الله الخميني. ولا يخفى على أحد استمرار التطرف الخميني في الحياة الإيرانية اليوم والذي كان آخر فصوله انتخاب أحد أفراد الحرس الثوري ليكون رئيسا جديدا للجمهورية الإسلامية خلال الشهر الماضي. وبزيارتها إلى طهران بدا وكأن الحكومة العراقية تعترف لإيران الشيعية بالجميل على ما كانت تشكله من ملاذ آمن ومؤيد صادق للثوار الشيعة في العراق بما في ذلك إبراهيم الجعفري نفسه الذي قضى عشر سنوات منفيا في إيران. ولم يفوت الجعفري الفرصة للتأكيد على اعتذار حكومته العراقية إلى طهران تأسفا عن الدور العراقي في الحرب مع إيران. وهنا للتذكير فقط سيبدو الوضع حرجا بالنسبة لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد الذي حمل قبل 20 سنة رسالة دعم إلى صدام حسين موجهة له من حكومة الرئيس ريجان التي كانت ترى الحرب فرصة مهمة لإضعاف إيران.
وبصرف النظر عن تاريخ الحرب بين البلدين أعطى الاحتلال الأميركي للعراق فرصة لتشكيل تحالف جديد بين العراق وإيران يهدد بزعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط. لكن ما كان المفروض أن يحدث مختلف تماما. فحسب مخططات المحافظين الجدد كان يفترض أن يؤدي فرض الديمقراطية على العراق إلى تأمين إمدادات النفط إلى الولايات المتحدة، وحماية إسرائيل، وفتح الأسواق أمام الشركات الغربية، وربما حتى التقليص من الإرهاب. غير أن الولايات المتحدة التي واجهت المزيد من العداء والقليل من الورود لم تبد حماسها لتنظيم الانتخابات لأن ذلك سيؤدي على الأرجح إلى تنصيب حكومة غير موالية. وعندما أصر السيستاني على عقد الانتخابات في موعدها وهدد بالنزول إلى الشارع سعى الرئيس بوش حسب مقالة نشرت مؤخرا إلى شراء الأصوات لصالح عميل المخابرات الأميركية السابق إياد علاوي.
وحتى بعد هزيمة علاوي وفوز الأصوليين من الشيعة, ظل الأمل في أن يتحول العراق إلى ديمقراطية مزدهرة. لكن ما يجري حاليا في البصرة بعيد كل البعد عن الديمقراطية حيث تسيطر عليها جماعات دينية تطبق أحكاما دينية على النساء تعتبر بالمقارنة مع إيران متطرفة. كما أن فوز هؤلاء الأصوليين فاقم من استياء السنة, فأصبحنا نرى استهداف الشيعة في محاولة واضحة لإشعال فتيل حرب أهلية. وإزاء هذا الوضع المتردي يبرز السؤال, هل من الغريب أن تلجأ الحكومة العراقية إلى طلب المساعدة من إيران؟ بالطبع لا. بيد أن ذلك يجعل الولايات المتحدة في موقف صعب إذ نجد أنفسنا نعرض حياة جنودنا للخطر كل يوم دعما لحليفة العراق الجديدة التي ندعي أنها تمول جماعات إرهابية مناهضة لإسرائيل، فضلا عن تمسكها بصنع قنبلتها النووية. لذا وفي غمرة كل ما سبق يخيل إلي أني أسمع ضحكات شخص يدعى أسامة بن لادن تعلو في الهواء.
روبرت شير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتب ومحلل سياسي أميركي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"