أخي معالي الدكتورعلي بن عبدالله الكعبي المحترم
وزير العمل والشؤون الاجتماعية
لا أشك في إخلاصك وصدق نواياك في تغيير وإصلاح ما قد يكون أفسده الدهر من سياسات وبرامج في وزارة العمل، غير أن الطريق إلى الجنة غير مفروشة بالنوايا الحسنة دائماً، إذا لم تواكبها وتؤازرها برامج عمل واضحة وواقعية وتملك أدوات تنفيذها على أرض الواقع. والحقيقة أنك كوزير شاب، كنا نتمنى أن تبدأ حياتك المهنية في الوزارة ببرنامج عمل واضح، تعرضه على الحكومة فتقره، ومن ثم يصبح جلياً ومعلناً للجميع، تحدد فيه سياساتك وأولوياتك وكيفية تنفيذ برنامجك، فتحظى بالدعم والمساندة من الحكومة كما من الرأي العام. غير أن مثل هذا التقليد الجميل الذي تعمل به أغلب الحكومات في العالم ليس موجوداً عندنا. فنحن يأتينا وزراء، من دون أن نعلم شيئاً عن برامجهم وخططهم، ثم يذهبون ويأتي غيرهم ليبدأوا تغيير ما عمله السابقون، حتى لو ذهبوا 180 درجة في الاتجاه المعاكس، على نحو ما رأينا دائماً في وزارات مهمة كالتربية والتعليم والعمل وغيرهما.
ونبدأ من راية مكافحة الفساد التي رفعتها منذ اللحظات الأولى لتسلمك الحقيبة الوزارية، فوجدت كل التأييد. ذلك لأننا جميعاً ضد الفساد ونتمنى فعلاً اجتثاثه من جذوره. غير أن ما يتعلق بموظفين لديهم رخص تجارية حالة عامة في الدولة كلها، وليست قصراًُ على وزارة العمل. وبما أنه لا يوجد في القانون ما يمنع الجمع بين العمل العام واستصدار تراخيص تجارية, فإن محاسبة موظفي وزارة واحدة، كما فعلت، لا يحقق الهدف المطلوب. كنا نتمنى لو أن مشروعاً تقدمت به ومعك وزراء آخرون إلى الحكومة لاستصدار قرار أو قانون يمنع الجمع بين الوظيفة العامة والتجارة، فيصبح المنع عاماً على الجميع، وذلك لضمان نجاح الهدف، بدلاً من خلق حالة بلبلة واستياء, كما حدث في وزارة العمل، حيث لا تزال بقايا البلبلة تتفاعل بين الموظفين على شكل استقالات مستمرة وحالة قلق عام.
أما عن صندوق الزواج، فلستُ على إطلاع فعلي بمدى ما فيه من خلافات وإشكالات، ولكن من الواضح أن طريقة إقالة، أو قبول استقالة، مديره جمال البح، مثيرة للتساؤلات. وكنا نتمنى لو أنك، مهما اتسعت الخلافات، أن تبادر, من مبدأ الشفافية التي حرصت عليها وأنت تنادي بمحاربة الفساد، إلى إيضاح الأمر، خاصة إذا تعلق هذا الأمر بموظف مجتهد قدم للصندوق ما قدم من عمل مؤسس يستحق عليه التقدير.
وربما كان الأمر نفسه شبيهاً بما جرى لمدير "تنمية" الذي سارع إلى الاستقالة على ضوء انتقادات وجهتها إلى هذا البرنامج، أيدك فيها كثيرون من دون تمحيص ولا تدقيق للحقائق، وأبرزها أن البرنامج صرف ما يعادل 107 ملايين درهم لتوظيف ثلاثة آلاف مواطن في القطاع الخاص، ما عده البعض فشلاً للبرنامج. ودعني أختلف معك ومع الآخرين حول حقيقة هذا الأمر.
إذا كان الرقم صحيحاً، أي أن البرنامج نجح في توظيف ثلاثة آلاف مواطن حتى الآن. فإن هذا يعتبر نجاحاً كبيراً لا فشلاً، للأسباب التالية: أن البرنامج يعمل في محيط قاهر لا يساعد على توطين الوظائف كما نعلم. كما أنه ليس مدعوماً بالإرادة السياسية اللازمة التي تجبر القطاع الخاص على الالتزام بنسب التوطين. علاوة على مشكلات أخرى تتعلق بالتعليم والتدريب وسلم الرواتب وغيرها. لذلك فإن تحقيق هذه النسبة من التوطين يعتبر نجاحاً. كما أن صرف مثل هذا المبلغ المذكور لتحقيق هذا الهدف، أي بمعدل أربعين ألف درهم للمواطن الواحد، لتدريبه وتأهيله ومن ثم إلحاقه بوظيفة، ليس مبلغاً كبيراً. ذلك لأن أي جامعة اليوم تتقاضى عن العام الدراسي الواحد ما لا يقل عن المبلغ المذكور.
وعليه فإن برنامج "تنمية" يستحق كل التحية والتقدير، وكذلك استمرار الدعم والتأييد، ومثله في ذلك مثل صندوق الزواج، وغيرهما من برامج تسعى إلى تمكين المواطن ودعمه وتهيئة سبل الحياة الكريمة له. وكل هذا يأتي على رأس أولويات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية. وإذا كان هناك من قصور أو أخطاء فينبغي معالجتها وتطوير أداء مثل هذه البرامج باستمرار، لا شجبها وانتقادها والانتقاص من دورها.
وننتهي يا معالي الوزير بقرار وقف العمل لشركات المقاولات خلال شهر يوليو وأغسطس عند منتصف النهار لساعات عدة حمايةً للعمال من ضربات الشمس الحارقة. هذا القرار نتفق معه في المبدأ، ذلك لأن للعمال حقوقاً على الوزارة صيانتها وحمايتها. غير أن هذا القرار الذي وضع الشركات في "حيص بيص" نتيجة لعدم التشاور معها وعدم استعداد الوزارة الفعلي من الناحية العملية لتنفيذه، يجعلنا نرى فيه تسرعاً كان يمكن تلافي انعكاساته لو أن دراسة وتشاوراً وتخطيطاً جيداً له قد تم قبل إصداره. ومن دون الدخول في تفاصيل أكثر يمكن القول على سبيل المثال، إن تخفيض ساعات العمل خلال هذين الشهرين لنحو ساعة كل يوم أو ساعتين ربما يكون مقبولاً أكثر مثل اعتماد ساعات عمل شبيهة بتلك التي تطبق في شهر رمضان الكريم، والذي يلتزم به الجميع راضين ومرحبين.
نعلم يا معالي الوزير أن المهام ا