كانت تلك الدماء التي سفحها عناصر القاعدة ، في عملية التفجير التي وقعت في العاصمة السعودية الرياض، دماء أبناء أسر لبنانية ومصرية وعربية في المقام الأول تحتفي بشهر رمضان الذي يحتفل به المسلمون كل عام· وقد وقع أولئك ضحايا لجريمة قتل متعمد سبقها الإصرار وحسن التخطيط والتدبير، وهي جريمة نقلت الحرب التي تشنها منظمة القاعدة إلى موطنها الأصلي، وإلى حيث يكون كسب هذه الحرب أو خسارتها·
لقد أدى غزو العراق وأفغانستان بقيادة الولايات المتحدة إلى وضع مظهر خادع أخفى تحته الحروب السياسية والأهلية المتداخلة التي عكّرت أجواء منطقة الخليج العربي على مدى عقود ثلاثة· وتدور هذه النزاعات في داخل العالم الإسلامي وفي داخل كل واحدة من أمم منطقة الشرق الأوسط الكبرى، والتي لا بد لها من أن تدرك الأخطار المباشرة التي تشكلها منظمة القاعدة وشبكتها الطليقة المؤلفة من الارهابيين العدميين·
ها هو سيل الأنباء المروعة يتواصل متدفقاً حول العمليات الهجومية التي تنفذها في العراق أثناء شهر رمضان قوات المقاومة العراقية والمنشقون القتلة الذين انبروا الآن لمهاجمة حكم العائلة المالكة السعودية؛ ولابد للأميركيين والحال كذلك من أن يبصروا الطبيعة الحقيقية للنزاعات في المنطقة وأن يروا التأثيرات الجيوسياسية للوجود العسكري الأميركي الواسع جداً في منطقة الخليج·
لقد عبّر الناجون العرب من مذبحة مجمّع المحيّا السكني في الرياض يوم 9 نوفمبر الجاري عن موقفهم وقالوا إنهم لا يصدّقون أنهم مستهدفون في شهر رمضان- أو حتى في أي وقت آخر· وقد قال البعض من هؤلاء للمراسلين إنهم انتقلوا بعيداً عن المناطق التي يقطنها الأميركيون ورعايا الدول الغربية الأخرى في المملكة وذلك بهدف تجنب هذا النوع من الهجمات، الذي أسفر عن مقتل 17 شخصاً وتشويه 120 آخرين·
ولم يكسب أولئك مهلة من الموت أطول من تلك التي حظي بها سلفهم العربي، ذلك الخادم الذي رأى شخص الموت في السوق فلاذ بالفرار منه إلى مدينة سامراء الآمنة عليه كما بدا في ظاهر الأمر، وقد فعل ذلك وهو غافل يجهل أن ذلك الموت قد ضرب للقائهما موعداً نهائياً في أمسية ذلك اليوم من أيام تلك المدينة التي تربض في أحضان بلاد الرافدين·
ومهما كانوا مرتبطين أو غير مرتبطين، فإن القتلة في العراق وفي السعودية- وكذلك في البلدان العربية الأخرى المدرجة على الأرجح في قائمة أهداف الهجمات الآخذة في الاتساع- يرون في شهر رمضان وقتاً له أهمية سيكولوجية كبيرة ينتهزون فيه الفرصة لتكثيف الهجمات· إنهم يرمون بكل ثقلهم في مسعى إلى نشر التمرد والعصيان وهز عزيمة وثبات أولئك الذين يقفون في طريق تولي زمام السيطرة على الإسلام وعلى سياسات المنطقة·
وقد رد العاهل السعودي الملك فهد بن عبدالعزيز على تلك الأوهام والنزوات التي تلطخها الدماء بالتعهد بأن المملكة سوف تضرب بـ قبضة حديدية على الإرهابيين· كما حث أحد أعضاء الأسرة المالكة السعودية، وهو الأمير الوليد بن طلال، حث السعوديين على نبذ نظريات المؤامرة الغبية التي تُحمّل جهاز الموساد الإسرائيلي أو الاستخبارات الأميركية CIA المسؤولية عن كل المصائب والمحن التي تصيب العرب! وقال الوليد بن طلال بلا أية مواربة إن المملكة يبقى عليها على رغم ذلك أن تسأل نفسها بكل صدق وصراحة: لماذا كان هناك 15 سعودياً من بين الخاطفين الـ 19 الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر؟
ويبدو أن الهجمات الوحشية التي وقعت في شهر مايو الماضي-ولا سيما تلك التي استهدفت في العطلة الأسبوعية الأخيرة قوة عاملة أجنبية ذات أهمية حيوية للاقتصاد السعودي- يبدو أنها تشكل تحولاً في منهج عمل عناصر القاعدة إذ كان خريجو معسكرات التدريب التي تديرها القاعدة يوجهون هجماتهم إلى أهداف عالمية وإلى دول غربية، ولم يهاجموا أهدافاً داخل بلدانهم كالسعودية أو مصر أو الجزائر·
لقد كانت أهدافهم تجديد زحف الإسلام نحو الغرب وتأسيس دولة خلافة عالمية مؤثرين ذلك على السعي وراء صراعات قومية، كما قال أوليفر روي في تعليق له بعد وقوع هجمات 11 سبتمبر، وهو عالم اجتماع فرنسي درس انتشار مدرسة الجهاد الاسلامي في أوروبا·
لقد بات الجهاديون الآن مرغمين على/أو تغريهم فكرة نقل موقفهم إلى مواطنهم، وبقدر أكبر من ذي قبل- وكذلك فكرة استهداف مواطنيهم من العرب وإخوانهم في الدين من أتباع المذهب السني، وذلك على نحو أكثر مباشرة· ويوحي هذا بأن هؤلاء الذين هبوا في عصيان مسلح يرون أن الأسابيع أو ربما الأشهر القليلة القادمة ذات أهمية حاسمة من نواح عديدة لم تكن لها من قبل· وهناك نمط آخر للضرورة الملحّة التكتيكية يبرز الآن متمثلاً بازدياد واضح في عدد عمليات الاغتيال وعمليات التفجير الانتحارية في العراق·
لقد خسرت قوات الاحتلال الأميركية أشهراً عالية القيمة في ما كانت حرباً استخباراتية من حيث الأساس· وقد أدى ذلك إلى تجريء المتمردين المترابطين ترابطاً رمزياً على الضغط للتأكيد على تفوقهم الآن·
لكن من الممكن أن تؤدي هجمات رمضان إلى توليد نتائج عكسية، إ