في الحقيقة كانت زيادة الرواتب في القطاع الحكومي، والتي لم تشمل إلى الآن جميع الموظفين الحكوميين ولم تشمل المتقاعدين ولا مستحقي الإعانات الاجتماعية ولم تشمل كذلك موظفي القطاع الخاص، رغم أنها شملت الموظفين الوافدين والمواطنين معاً في القطاعات التي شملتها. إن المواطنين الذين لم تشملهم زيادة الرواتب هم في الحقيقة أصحاب حق وأولوية، ولا شك أن لهم نصيباً في الثروة القومية للأمة. ونحن على يقين بأن حكومتنا الرشيدة لا تغيب عن بالها هذه الأفكار والمبادئ، ولكننا نريد فقط أن نذكر ونؤكد على نقطة وهي أن هناك من هم بحاجةٍ ماسةٍ إلى تلك الزيادة من المواطنين الذين هم شركاء في الثروة القومية بحكم انتمائهم لهذا الوطن وولائهم الكبير له، بغض النظر عن مستوى إنتاجية الإنسان. وهناك نقطة أخرى في غاية الأهمية وهي فئة المستخدمين وأصحاب الرواتب الأساسية المتدنية، حيث إن نسبة الـ25% التي تم تعميمها لكافة الموظفين المواطنين قد لا تتناسب مع المستخدمين فيما لو قمنا بإجراء دراسة دقيقة عن أوضاعهم الاقتصادية ومستوى دخولهم. فماذا تعني زيادة راتب المستخدم المواطن بـ 250 درهما أو 400 درهم في الوقت الذي نجد فيه أن نسبة التضخم النقدي وارتفاع الأسعار تفوق 25% في بعض السلع والخدمات. ففي الوقت الذي نجد فيه أن كافة المواطنين والمقيمين متضررون من التضخم النقدي وارتفاع الأسعار، الذي تعتبر نسبة عالية منه مفتعلةً من قبل التجار والمنتجين وليس لها مبرر اقتصادي أو حجة قوية تفسرها، فكافة المستهلكين متضررون بنفس النسبة وبنفس القدر، وفي الوقت ذاته نجد أن رواتب البعض تزداد ورواتب البعض الآخر ثابتة. إن الإخوة الذين ازدادت رواتبهم قد يتمكنون من تغطية نسبة من الزيادة التي طرأت على الأسعار، بيد أن الإخوة الذين لم تزدد رواتبهم تعتبر رواتبهم الحقيقية قد نقصت بمقدار نسبة التضخم النقدي وارتفاع الأسعار، وذلك بالمنطق العلمي لعلم الاقتصاد فهم أسوأ حظاً من الذين ازدادت رواتبهم، وإن كان الجميع متضررين.
إن زيادة الرواتب تأتي نتيجة طبيعية لتطور المجتمع ونموه، وهي تعويض عن التضخم النقدي الطبيعي وارتفاع الأسعار المستمر بمعدلات طبيعية في كافة بلدان العالم. فالتضخم النقدي (أي زيادة كمية النقود بصورة مفرطة تؤدي إلى ارتفاع الأسعار) هو ظاهرة نقدية طبيعية، ومشكلة مزمنة تعاني منها كافة دول العالم الرأسمالي. ومن هذا المنطلق فإننا نرى أن كافة نقابات واتحادات العمال، والجمعيات المهنية في الدول التي ليست فيها نقابات عمال، تطالب بزيادة الأجور والرواتب وخصوصاً في الأوقات التي ترتفع فيها نسبة التضخم النقدي. ومن هذا المنطلق فإننا نجد أن شعب الإمارات يعبر عن شكره العميق لمكرمة صاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله وإحساسه العميق بمطالبهم دون أن يعبِّروا عنها بشكل صريحٍ وواضحٍ ومُلِحٍّ. وهذا دليل قاطع على التفاعل الكبير بين القيادة والشعب. إن القيادة التي تشعر بمشاعر شعوبها وتتجاوب مع رغباتهم وطموحاتهم لهي قيادة عظيمة تستحق كل الشكر والثناء من شعبها. وهذا بالطبع تعبير واضح عن الروح الديمقراطية والتفاعل البناء الذي يسود المجتمع بين القيادة والشعب.
لقد بدأ التجار يبالغون في رفع الأسعار ويفرطون في الغلاء قبل أن تفكر الدولة في رفع أسعار بنزين السيارات، وذلك منذ عام 2003. وها نحن نشهد الغلاء الفاحش وارتفاع الأسعار في كل سلعة وخدمة. ولقد استغل التجار مسألة ارتفاع أسعار بنزين السيارات فاتخذوا منها حجةً وذريعةً قويةً يتذرعون بها. وبدأو في إشعال التضخم النقدي. والتضخم النقدي في الحقيقة فتنةٌ كبيرة، بل هو رأس الفتن لأنه قد تترتب عليه مشاكل اقتصادية واجتماعية وأمنية وحتى سياسية. ومن هذا المنطلق أصبحت كافة دول العالم تؤمن بضرورة مكافحة التضخم النقدي وارتفاع الأسعار والتصدي له. ورغم أن كافة الاقتصاديين مؤمنون بأن مشكلة التضخم النقدي وارتفاع الأسعار هي مشكلة مزمنة في النظام الرأسمالي، وهي نتيجة طبيعية للنمو والتطور يفرزها النظام الاقتصادي الرأسمالي. وبالتالي فإن هناك معدلاً طبيعياً للتضخم النقدي وارتفاع الأسعار لابد من وجوده بشكل دائم ومستمر، وبناءً عليه يصبح من المستحيل القضاء على مشكلة التضخم النقدي وارتفاع الأسعار قضاءً مبرماً في ظل النظام الرأسمالي المعاصر. رغم إيمان الاقتصاديين بكل ذلك إلا أنهم يؤمنون أيضاً بأن مشكلة التضخم النقدي وارتفاع الأسعار يجب التصدي لها ومعالجتها ولو بشكل جزئي والحد من المعدلات المرتفعة للتضخم النقدي وإرجاعه إلى المعدل الطبيعي المعقول.
وها نحن في دولة الإمارات نقرأ ونسمع ونرى يومياً أن معظم الشركات والبنوك والتجار والمنتجين يحققون أرباحاً خياليةً من الأسواق المحلية، فمن أين تأتي هذه الأرباح المفرطة؟ إنها من دماء الشعوب المغلوبة على أمرها، ومن رواتب ودخول المستهلكين الذين يكدحون ويتعبون سعياً وراء كسب أرزاقهم ليأتي عليها وحش الغلاء ويلتهم كسبهم دونما ذرة حياء أو رحمة أو عاطفة إنسانية أو