في الحقيقة تعتبر أسواق الأوراق المالية بشكل عام وأسواق الأسهم بشكل خاص (حيث إن الأسهم تعبر عن حقوق الملكية) مرآة عاكسة للوضع الاقتصادي لأي بلد. فأسواق الأوراق المالية هي عبارة عن مخزن فعلي لأملاك المستثمرين والمضاربين وحقوقهم الفعلية في الشركات المساهمة العامة. فكلما ازداد عدد الشركات المساهمة العامة وحجمها وازداد بالتالي دورها وفاعليتها في الاقتصاد، كلما كانت حركة أسواق المال معبرة بمصداقية أكثر عن الواقع الاقتصادي للبلد المعني. ولا شك أن المضاربات المفتعلة وتفاعل قوى العرض والطلب تلعب دوراً بارزاً ومؤثراً في أسعار الأوراق المالية. بيد أن هيئات الأوراق المالية والمصارف المركزية الناجحة هي التي تستطيع أن تستشعر المضاربات المفتعلة وتبطل فاعليتها قبل حدوثها، وذلك نظراً لأن المضاربات المفتعلة قد تؤدي إلى إحداث هزات عنيفة وآثار سلبية عميقة في أسواق المال ومن ثم في الاقتصاد برمته.
إن أسواق المال شأنها شأن باقي الأسواق في الدولة تتأثر بالأحداث والمشاكل والظواهر الاقتصادية وتؤثر بها وتتفاعل معها سلباً وإيجاباً. وبما أن التضخم النقدي يعتبر بحق ظاهرة ومشكلة اقتصادية مزمنة فإن أسواق المال لا شك تؤثر وتتأثر بهذه المشكلة وتتفاعل معها. فكيف يحدث ذلك؟
تعاني دول مجلس التعاون الخليجي من معدلات تضخم نقدي منذ مطلع السبعينيات من القرن العشرين، فتكون مرتفعةً أحياناً، حيث قد تصل إلى 20% سنوياً وتكون منخفضةً في أحايين أخرى، حيث قد لا تتجاوز 3% بمعيار الرقم القياسي لأسعار المستهلك. ولقد كان ارتفاع معدلات التضخم النقدي أحد الأسباب الرئيسة التي أدت إلى انهيار سوق الأوراق المالية المسمى بسوق المناخ في الكويت في عام 1980، والذي امتدت آثاره إلى سنوات بعدها. وذلك نظراً لأن معدلات التضخم النقدي العالية عادةً ما يعقب حدوثها حدوث ارتفاع في أسعار الفوائد المصرفية، ويصاحبها ارتفاع حدة المضاربات في كافة أنواع البورصات المتاحة. إن معدلات التضخم النقدي في دول الخليج العربية قد ازدادت حدتها مع مطلع القرن الحادي والعشرين، وخاصة خلال الثلاث سنوات الأخيرة، حيث تراوحت ما بين 5%-12% بالرقم القياسي لأسعار المستهلك. وهي تتفاوت تفاوتاً نسبياً من دولة خليجية إلى أخرى، ومن قطاع اقتصادي إلى آخر. وبما أن الرواتب والأجور ثابتة فإن ذلك يعني بالمنطق الاقتصادي انخفاض القيمة الحقيقية للرواتب والأجور سنوياً بالمعدل الفعلي للتضخم النقدي، وبالتالي انخفاض القوة الشرائية لوحدة النقود. فما هي الأسباب التي تقف وراء ظاهرة التضخم النقدي الذي يجتاح اقتصاديات المنطقة؟ وهل هو ظاهرة عالمية أم أنه مقتصر على دول المنطقة؟ وهل هناك حلول علمية لمعالجته أو التخفيف من حدته في كل من المدى القصير والبعيد؟
يعرف الاقتصاديون التضخم النقدي بأنه "ظاهرة نقدية تنشأ في الاقتصاديات التي تستخدم النقود بسبب نمو كمية النقود بمعدلات عاليةٍ جداً تفوق متوسط معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، ومعدل نمو الاحتياطات من الذهب والفضة والعملة الصعبة لدى المصرف المركزي ومعدل نمو استثمارات المصرف المركزي في السندات وأذون الخزانة مجتمعة. وتؤدي زيادة كمية النقود بتلك المعدلات العالية إلى ارتفاع الأسعار المصحوب بانخفاض القيمة الحقيقية لوحدة النقود وانخفاض القوة الشرائية لها". ويعتبر التضخم النقدي ظاهرة اقتصادية عالمية، ومشكلة مزمنة عجز عن علاجها كافة الاقتصاديين. بيد أن الاقتصاديين يضعون لها حلولاً قد تخفف من حدتها وتعمل على تخفيض معدلات نموها. وبما أن التضخم النقدي ظاهرة اقتصادية عالمية فإن هناك أسباباً دولية وأخرى محلية لنشوئه واستمراره بلا حلول جذرية.
إن ظاهرة انخفاض معدلات الفوائد المصرفية إلى حدودها الدنيا في كافة بلدان العالم، والتي أعقبت أحداث 11 سبتمبر 2001، أدت بلا شك إلى حدوث ما يسمى السياسات الاقتصادية التوسعية أو (التضخمية) المقصودة لذاتها. حيث أدت تلك السياسات الاقتصادية إلى حدوث انتعاش اقتصادي وارتفاع معدلات النمو الاقتصادي ومن ثم ارتفاع معدلات التضخم النقدي في كافة بلدان العالم. إن تلك السياسات الاقتصادية أدت إلى انخفاض تكلفة رأس المال ومن ثم أدت إلى زيادة حجم الائتمان والتسهيلات المصرفية في كافة الأنشطة والقطاعات الاقتصادية. كما أنها شجعت على نمو الطلب الكلي العالمي على كافة أنواع السلع والخدمات، ومن ثم تفاعل العرض مع الطلب واستجابته له، ومن ثم نمو التجارة المحلية والعالمية بمعدلات لم تشهدها منذ أمد بعيد. كما أن سياسة التمويل التضخمي للموازنة العامة للدولة بمعدلات عالية التي تنتهجها الولايات المتحدة الأميركية منذ عدة سنوات قد شجعت على بروز تلك الظواهر الاقتصادية ويأتي على رأسها ظاهرة التضخم النقدي وارتفاع الأسعار والانخفاض الحاد لسعر صرف الدولار الأميركي في الأسواق الدولية. فما علاقة كل ذلك بأسواق الأسهم؟ في الحقيقة يأتي الارتباط من عدة نقاط يمكن إيجازها في النقاط الآتية:
(1) إن الأس