يواصل وباء كورونا المستجد انتشاره حول العالم، وقد دخلت الدول حرفياً في سباق مع الزمن لاحتواء الفيروس واتخذت حكوماتها كل الإجراءات الممكنة لحماية حياة وصحة شعوبها؛ فأغلقت الحدود، وعزلت مناطق ومدناً بأكملها، وقيدت حركة الطيران وصولاً لإغلاق المطارات، ولجأت دول لإعلان حالة الطوارئ لاحتواء الفيروس ومنع انتشاره. ومع تبني وبدء تطبيق هذه الإجراءات الحكومية الاحترازية لمنع تفشي الوباء، ظهرت نقاشات جادة حول حماية حقوق الإنسان من أي انتهاك محتمل من طرف الدول في إطار الإجراءات التي يتم اتخاذها، خاصة مع إعلان الحجر الجزئي أو الحجر الكلي، مما سينعكس على عدد من حقوق الإنسان الواردة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، مع حقيقة أن غالبية الحكومات في العالم قد صدَّقت على ما لا يقل عن معاهدة واحدة تتعلق بحقوق الإنسان تتطلب منها ضمان الحق في الصحة.. ما يعني أنّه على عاتقها التزامات قانونية باتخاذ كافة الإجراءات الضرورية للوقاية من الأمراض، ومعالجتها، واحتوائها.. لذا فالطريقة التي تقرر بها الدول الاستجابة للوباء قد تؤثر على حقوق الإنسان فيها.
ويعتبر الحق في الحياة من أهم حقوق الإنسان التى حرصت جميع المواثيق والصكوك الدولية على إيلائها الاهتمام الكبير، ويرتبط الحق بالرعاية الصحية بالحق في الحياة. ويعتبر الحق في الرعاية الصحية من ضمانات الحق في الحياة، ويقع ضمن أولويات الحقوق، لارتباطه الوثيق بحياة الإنسان وبممارساته وأنشطته اليومية، ولانعكاسه كذلك على الحياة ضمن الأسرة والعائلة والمجتمع. وعلى الدول، استناداً إلى قوانينها، أن تحمي هذا الحق، إذ يكفل القانون الدولي لحقوق الإنسان لكل شخص الحق في أعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه، ويُلزِم الدول باتخاذ تدابير لمنع تهديد الصحة العامة، وتقديم الرعاية الطبية لمن يحتاجها. كما يقر القانون الدولي لحقوق الإنسان، في الأوضاع الاستثنائية والتهديدات الخطيرة للصحة العامة وحالات الطوارئ العامة، كالحروب والكوارث الطبيعية والأوبئة.. تقييد وتعليق بعض الحقوق لحماية حق آخر أسمى وهو الحق في الحياة. فالحق في التنقل والحق في التجمع إذا كانت ممارستهما تهدد الحق في الحياة يتم تعليق ممارستهما.
ويعتبر الحصول على المعلومات الموثوقة أحد الجوانب الرئيسية للحق في الصحة، وأفضل طرق مكافحة تفشي الوباء بمكافحة تفشي الشائعات المرافقة بأن تعتمد الحكومة مبدأ الشفافية والصدق؛ فللجميع الحق في الحصول على المعلومات بشأن الخطر الذي يشكله الفيروس على صحتهم.
والحكومات معنية كذلك بضمان توفير الرعاية الوقائية، والسلع والخدمات، وضمان حصول السكان المهمشين على الرعاية الصحية. وقد كشف تفشي فيروس كورونا في عدد من البلدان، أوجه القصور في أنظمة الصحة العامة وشبكات الرعاية الاجتماعية، الأمر الذي زيد من صعوبة حماية السكان المعرضين للخطر والمرض.
إن حقوق الإنسان في زمن وباء كورونا يجب أن تتجسد كواقع ملموس عبر ممارسات إنسانية واضحة؛ فهي ليست قضايا مجردة بل تتصل بفهم عميق لمعنى حياة الإنسان. وقد أبرزت المعركة العالمية ضد فيروس كورونا الاختلافات في التعاطي مع المخاطر والأولويات، مما انعكس على استجابة الحكومات لحماية حياة الانسان وحقه في الرعاية الصحية. فمن المهم الحفاظ على المكتسبات التي حققتها البشرية في ترسيخ مفاهيم حقوق الإنسان، لكن سيظل اختبار حقوق الإنسان قائماً في مختلف دول العالم في الأيام المقبلة.

*كاتبة إماراتية