حذّرت كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، الزعماء الأوروبيين من احتمال أن يزج وباء «كوفيد-19» بالاقتصاد في أزمة على غرار ما حدث في عام 2008. لكن استجابة السياسيين للاجارد تأخرت وكانت غير كافية. وعناصر الاستجابة الشاملة واضحة وتتمثل في أنه يتعين على الحكومات تدشين حوافز مالية واسعة النطاق، وأن يطلق البنك المركزي الأوروبي برنامجاً كبيراً وموثوقاً به لشراء السندات لضمان عدم حدوث ردود فعل مناوئة من السوق. وقد تقوم منطقة اليورو بهذا في نهاية المطاف لكن الأمر سيستغرق مدة طويلة.
وكانت مجموعة وزراء مالية منطقة اليورو قد عقدت اجتماعاً عن بعد عبر الفيديو، يوم الاثنين الماضي، وتمخض عن قائمة مطولة من التعهدات. وبعض التعهدات إيجابي، مثل تأييد الوزراء توسيع القواعد المالية لمنطقة اليورو للتعامل مع حالة الطوارئ. كما أيدوا تحركات البنك المركزي الأوروبي لضمان ألا يكون هناك تفتت في الأسواق المالية لمنطقة اليورو. وهذا يعني أنهم يستوعبون ما قد تبدو عليه الاستجابة الناجحة للأزمة.
لكن المشكلة الكبيرة هي أن قوة تدخلهم غير ملائمة حتى الآن. وما دامت الأزمة الاقتصادية مؤقتة، فتقديم السيولة هو أفضل وسيلة للدفاع. وهذا يخفف احتمالات إفلاس الشركات القادرة على الصمود بسبب الوباء. وهناك حاجة إلى تحويلات مالية كبيرة لدعم أنظمة الرعاية الصحية ومكافحة الانخفاض غير المسبوق في الطلب الخارجي والداخلي. وقد قررت إيطاليا دعماً مالياً بنحو 25 مليار يورو، منها 600 يورو لكل شخص صاحب عمل خاص به عن شهر مارس. والحجم الإجمالي لهذه التعهدات على امتداد منطقة اليورو يعادل 1% من الإنتاج المحلي الإجمالي للمنطقة. وهذا قد يكون كافياً للتعامل مع كساد بسيط، لكنه شيء لا يذكر أمام حجم الصدمة التي تواجه الاقتصاد العالمي. وستكون لإجراءات الإغلاق كلفة هائلة، مما سيجبر وزراء المالية على تقديم المزيد من التمويل.
والأداة المفضلة لدى منطقة اليورو للتعامل مع احتمال أن تناوئ الأسواق المالية أحد البلدان، هي وضع برنامج للتعديل الهيكلي. وهذا يتضمن تقديم قروض من «آلية الاستقرار الأوروبي» (صندوق الانقاذ الأوروبي) وبرنامج «التعاملات النقدية المباشرة» التابع للبنك المركزي الأوروبي. وهذا يستلزم أن يشتري البنك المركزي كميات غير مقيدة من السندات قصيرة الأمد لبلد ما. وفي المقابل يتعين على البلد المتلقي للقروض إقرار قائمة إجراءات، مثل القيام بإصلاحات هيكلية. لكن هذا النهج قد يكون مجدياً إذا كانت الأزمة الاقتصادية والمالية لفيروس كورونا تضرب بلداً واحداً. بيد أن الوباء ينتشر سريعاً عبر منطقة اليورو كلها تقريباً.
وصدمة فيروس كورونا تتعلق بعوامل خارجية واضحة بذاتها، وبالتالي فمن العبث وربما من غير الملائم سياسياً المطالبة بإصلاحات هيكلية مقابل المساعدة أثناء الصدمة. ويتعين أن يكون الحل في برنامج قوي وموثوق به لشراء السندات يقوم به البنك المركزي الأوروبي. وهذا يقنع الأسواق المالية بأن لا خطورة من امتلاك السندات الحكومية الإسبانية أو الإيطالية. والواقع أنه كلما زادت الثقة في تعهدات البنك المركزي الأوروبي قلّت الحاجة إلى شراء السندات. فالمستثمرون المطمئنون سيقومون بالشراء نيابة عن البنك المركزي. لكن البنك المركزي الأوروبي تقاعس عن توفير هذا الجو المطمئن حتى الآن.
وينبغي للاجارد وعدد من محافظي البنوك المركزية للدول الأوروبية الإعراب عن استعدادهم لتوسيع حجم برنامجهم لمكافحة أي مخاطر على استقرار اليورو. فالحل طويل الأمد لوباء كوفيد-19 لن يحققه إلا العلماء، لكن متخذي القرار السياسي يجب أن يقوموا بدورهم في تخفيف الصدمة، وهذا يتضمن مستويات غير مسبوقة من التنسيق بين السلطات النقدية والمالية.

*كاتب متخصص في شؤون أوروبا الاقتصادية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»