يعاني الاقتصاد الهندي بالفعل من ضغوط نتيجة عواقب اقتصادية عالمية وبسبب مشكلات متعلقة بنظام الاقتصاد الهندي نفسه. وفي الأيام القليلة الماضية، ظهرت أنباء سيئة أخرى عن الاقتصاد الهندي الذي يواجه انهياراً وشيكاً لبنك خاص.
فقد وقع «يس بنك»- وهو من أكبر البنوك الخاصة بالهند- في مشكلات بعد أن قيد «بنك الاحتياط الهندي» السحب بمبلغ 50 ألف روبية في الشهر لعملاء «يس بنك»، الذي يعاني من قروض متعثرة. وبعد هذا، تم القبض على مؤسس البنك بناء على مزاعم بغسل أموال في الوقت الذي مضت فيه الحكومة قدماً في خطة إنقاذ مئات الآلاف من العملاء الذين استثمروا في البنك أو كان لديهم حسابات فيه. ووقف العملاء في طوابير عند الفروع وعند آلات الصرف الآلي للبنك في محاولة مستميتة لسحب أموالهم رغم أن «البنك المركزي الهندي»، أكبر بنوك البلاد، أعلن استعداده لاستثمار نحو 25 مليار روبية لشراء حصة تبلغ 49% في البنك.
صحيح أن «يس بنك» واجه مشكلة في جمع رأسمال جديد لبعض الوقت لحل مشكلاته، لكن الحكومة مالت إلى نهج الإنقاذ في وقت متأخر إلى حد ما. وقصة «يس بنك» تكشف الطريقة التي تؤثر بها القروض المتعثرة سلباً على النظام المصرفي الهندي مع الخوف من احتمال حدوث هذا لبنوك أخرى أيضاً. والمشكلة في النظام المصرفي الهندي تختمر منذ فترة. فقد واجهت الهند مشكلة سيولة قبل عام حين أحدق الانهيار ببنك «استئجار البنية التحتية والخدمات المالية» وهو أحد أكبر بنوك الظل في الهند.
وهناك حالياً تحذيرات من أن تضع مغامرة «يس بنك»- إذا ساء طالعها- المزيد من الضغوط على النظام المالي الهندي. وتأثير مشكلات هذا البنك من المتوقع أن تؤثر على الأسواق التي عانت بالفعل من العواقب العالمية لفيروس كورونا. ومن المتوقع أن يفاقم إضعاف الروبية وأن تصبح أسواق الائتمان أكثر جموداً ويفاقم الافتقار إلى السيولة.
والقطاع المصرفي والمالي الهندي يواجه مشكلات منذ فترة بسبب مشكلات القروض والأصول المتعثرة. وهذه المشكلات عميقة الجذور إلى حد كبير. وما حدث مع «يس بنك» يوضح أن محاولة التغلب على مشكلة الديون المتعثرة والموازنة ليست مقتصرة على بنوك القطاع الخاص فحسب. والسلطات التي تتعامل مع التمويل الآن انتبهت فجأة لفكرة التحقيق واستكشاف إذا ما كانت مشكلات «يس بنك» أضرت أيضاً ببنوك القطاع العام المعروفة بمشكلات القروض والأصول المتعثرة.
والقطاع المالي الهندي يواجه مشكلة ضعف النظام المصرفي. وهذه المشكلة تتفاقم الآن. وهذا بسبب العلاقة بين السياسيين والبيروقراطيين ورجال الصناعة والبنوك. فمن المعتاد أن يعدل السياسيون والبيروقراطيون القوانين واللوائح المعقدة في صالح نشاط اقتصادي يفضلونه أو يضغطون على مصرفيين كي ييسرون الحصول على القروض وهو جميل يرده رجال الأعمال بعدة وسائل تمتد من تمويل الانتخابات والتفضيل في فرص العمل إلى غيرها من الهدايا. ومجالس الإدارة الضعيفة تحابي في الغالب الأصدقاء والأهل والمدققين الماليين الطيعين وأدوات التحكم الداخلية الضعيفة تعجز عن التغلب على مشكلات المحاسبة الاقتصادية.
فقد ذكرت نتائج دراسة علمية أن الثقافة التي تضع ضمناً المكاسب المالية فوق كل شيء آخر تغذي الجشع وعدم الأمانة وتجعل المديرين التنفيذيين أكثر ميلاً إلى الغش. والحاجة إلى تعزيز عائدات حملة الأسهم يؤدي إلى رفع أسعار الأسهم بتضخيم الأرباح بشكل مصطنع ما يتمخض عن قرارات قصيرة الأمد وتجاهل شروط الاحتياط والحذر.
والمشكلة الأخرى هي تأثير قرار البنك المركزي الهندي بالاستحواذ على حصة «يس بنك». ويُعتقد أن كونسورتيوم من البنك المركزي الهندي و«الشركة الهندية للتأمين على الحياة»، سيتولى أمر مشكلة البنك المتعثر. صحيح أن هذا يقدم إنقاذاً قصير الأمد لأصحاب الودائع في "يس بنك" لكن المشكلة هي تأثير عبء القروض المتعثرة التي ستصبح مسؤولية هذا «الكونسورتيوم». ومن الواضح أن هذا سيضعف بنوك القطاع العام التي تمثل حالياً عماد النظام المصرفي الهندي.
وانهيار «يس بنك» يأتي أيضاً في وقت تتصاعد فيه الضغوط على الاقتصاد الهندي. فقد أبطأ النمو الاقتصادي الهندي إلى 4.5% في الربع الممتد من يوليو إلى سبتمبر الماضي وهو أقل نسبة نمو في ستة أرباع وأقل بكثير من نسبة النمو التي بلغت 8.1% في بداية عام 2018. ورغم أن الحكومة الهندية اتخذت سلسلة من الإجراءات لتعزيز النمو وجذب الاستثمارات التي تتضمن فتح قطاعات مختلفة لاستثمار الأجنبي في تجارة التجزئة والتصنيع وأعلنت تقليص الضريبة على الشركات لكن هذه الإجراءات لم تحفز النمو المتضعضع. ومن الواضح أن الحكومة بحاجة إلى التركيز على القطاع المصرفي وسط الضغوط المتصاعدة في قطاعات مختلفة. لكن لا شك في أن القروض المتعثرة تمثل مشكلة تواجه البنوك الهندية والحكومة تكافح للرد على الأسئلة التي أثيرت بشأن عدم اتخاذ إجراءات أسرع من السلطات المعنية.
* رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي