ما زالت المناهج التعليمية في منطقة الخليج العربي تتطور وتتعثر، وقد وجدنا أن هذه المناهج في المنطقة مرت بعدة مراحل، بدأت نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات، حيث كانت المناهج الخليجية تعتمد على المقررات الدراسية للدول العربية التي سبقتنا في مجال التعليم، مع بعض التعديلات البسيطة، وكانت النسبة الكبيرة من هيئة التدريس من الإخوة العرب الذين لهم الفضل المميز في بناء نظامنا التعليمي الخليجي. وكانت المناهج تعتمد على سرد المعلومات في الكتب المدرسية، يضاف لها التقويم، ثم أصبحت هذه الطريقة الكلاسيكية التقليدية تجد من يعارضها بشدة، وكانت تقوم على الحشو والتلقين والحفظ المباشر، حتى أن التوجيه التربوي لم يكن ليسمح بالخروج عن دفتي الكتاب مهما تكن الأسباب، وكان الطالب متلقياً والمعلم مُلقياً.
وبعد منتصف التسعينيات وضعت الجهات التربوية الخليجية خططها ومناهجها التعليمية الجديدة، وبدأت خطط تطوير المناهج الحديثة، فأدخلت المصطلحات الأجنبية بكثافة في الكتب العلمية، كالعلوم الطبيعية والرياضيات، وبدأت ترجمة بعض المناهج الأجنبية إلى العربية وتعريبها وإدخالها في المناهج التربوية في المنطقة، مما مثّل أسلوباً جديداً مختلفاً عن سابقه في مناهج المنطقة، فاهتمت المناهج الجديدة بالعرض والشكل والألوان والصور والأسلوب التقني الحديث والرجوع إلى الإنترنت أكثر من الكتاب المدرسي.
لقد اهتمت المناهج باعتماد أسلوب جديد ومغاير للأسلوب التربوي القديم، وهُيئت للهيئة التعليمية دورات مكثفة ووسائل تعليمية جديدة ومتطورة.. لكننا في كثير من الحالات لم نر تقدماً حدث بين الطلبة، بل أخذ الطالب يعتمد بكثافة بالغة على الدروس الخصوصية، لأن المعلومة أصبحت حكراً على المدرس ولا يستطيع الطالب الحصول عليها بشكل مباشر، إلا من خلال المدرّس المختص بالمادة نفسها، والطالب لا يريد أن يكلف نفسه عناء البحث والتنقيب.
وأصبحت هناك فجوة كبيرة بين الطالب ومعلمه، إذ لا يوجد بينهما تناغم أو انسجام أو حوار صريح ومشوق أو حتى لغة مشتركة.. رغم أن لغتنا العربية الغنية والجميلة فيها من المعاني والقصص والإرث الأدبي الكثير من الأمور العلمية والتربوية والحكم والمواعظ والدروس، وقد استوعبت علوم الدنيا ونقلتها إلى الخارج! لذلك تجد الطالب الخليجي حالياً، وفي كثير من الأحيان، ضعيفاً في إلمامه باللغة العربية ومفرداتها وخصائصها وآدابها، متمسكاً باللغة الأجنبية ظناً منه أنها طريق النجاح والتقدم الوحيد.
لذا فقد نتج عن أسلوب المناهج التربوية الجديدة، وفي كثير من الحالات أيضاً، ضعف في إدراك الطالب الخليجي ومعرفته بلغته العربية، وعدم مقدرته على التعبير والتحدث وإدارة الحوار بها. كما ترتب على ذلك ضمور في الشعور بالانتماء والولاء القومي.
صحيح أن بعض الدول تقدمت تقدماً كبيراً وسريعاً، وعالجت بشكل علمي وفني واضح وملموس مشكلات التعليم والاختلالات القائمة بين مدخلاته ومخرجاته، وقطعت شوطاً واسعاً في تطوير ودعم ورعاية التعليم، وبالأخص دولة الإمارات العربية المتحدة التي رفعت شعار التعليم كواحد من أولويات استراتيجيتها الوطنية، لتجعل من التعليم ومناهجه ومستوياته الأفضل في العالم العربي ككل. ويبدأ اهتمام الإمارات بالتعليم من مراحله التأسيسية الأولى، فهي المرتكز الأهم في عملية إعداد الطالب وتعليمه وتأهيله لكي يستوعب كل المناهج التعليمية المتطورة في المراحل التالية. وإذا صلُح التعليم صلُح المجتمع كله وتطور ونهض في مستوى أداء الدولة وتطورها وتنميتها ونهضتها بين الأمم الناهضة والمتقدمة.
وأخيراً، يقول الشاعر معروف الرصافي: (وتجمعنا جوامع كبريات/// وأولهن سيدة اللغات)


*كاتب سعودي