مر العالم خلال حقب مختلفة بآفات صحية وأوبئة قاتلة، كالجدري والطاعون والجذام والكوليرا وغيرها من الأمراض المعدية التي حصدت ملايين البشر، وانتهت بلقاحات مضادة تفتقت عنها عقول أطباء وعلماء كرّسوا حياتهم لصالح البشرية.
ونمر اليوم بمرحلة تكاد تكون مفصلية، طبياً وعلمياً. ورغم أن فيروس كورونا أرعب العالم وأثار هلع دول ومجتمعات ومنظمات صحية إقليمية وعالمية، فهو إحدى سلالات فيروس «الإنفلونزا» (كورونا) المعروف منذ عام 1970، والذي مر بمتغيرات ومراحل تبعاً لتطور سلالته وتشكله. ولست هنا بصدد طرح شرح علمي لست مؤهلة لتقديمه، لكني أحاول وإياكم فهم الحدث وأبعاده على مستوى الشعوب وتعاطيها مع الأحداث الصحية الطارئة عموماً.
من البروتوكولات المتبعة تنفيذاً لاتفاقيات منظمة الصحة العالمية، إعلان أي حالة تظهر في أي دولة، وبالتالي منع السفر من وإلى تلك الدولة حين يتفاقم الأمر فيها، حتى تتم السيطرة على المرض واتخاذ جميع الاحتياطات، مع رصد مكان الانتشار وإجراء التدابير الطبية كعزل المصابين ومراقبة حالاتهم الصحية، وتفعيل دور مراكز البحث ومراكز إدارة الكوارث الصحية.. وهذا أقصى ما وصلت إليه منظمة الصحة العالمية من معايير الحيطة، وألزمت دول العالم بتنفيذه وفق مقاييس دقيقة من شأنها القضاء على الوباء ومنع انتشاره. ويشار هنا إلى أن كل دولة ملزمة باتفاقية الكشف عن جميع الحالات لديها، لأن إخفاء أي حالة لن يكون إيجابياً على البلد المعني نفسه، وفي حال اكتشاف لقاح ما فإن هذه الدول ستكون بأشد الاحتياج للحصول عليه ومحاصرة المرض.
في عام 2009 تعرضت منظمة الصحة العالمية لانتقادات واسعة بعد نشرها تقرير تبين تحول فيروس إنفلونزا الخنازير (H1N1) إلى وباء، وهو فيروس أثار الذعر في العالم وأصاب الملايين وشفي منه الملايين، علاوة على أعداد الوفيات التي توقعتها منظمة الصحة العالمية والذعر الذي انتشر آنذاك وأفضى إلى أزمة ثقة في تشخيص المنظمة للفيروس (كوباء). والقصد هنا أن أخذ الحيطة ضروري بلا شك، لكن لا ينبغي أن يصل الأمر حد تعطيل الحياة ونشر القلق الزائد، خصوصاً في بلداننا الخليجية، حيث لم يظهر سوى حالات قليلة حتى الآن، وكلها وافدة من مناطق انتشار الفيروس.
كورونا الجديد (أو COVID-19) والذي ظهر لأول مرة في مدينة يوهان الصينية، هو فيروس ينتقل بالعدوى، وقد يمر كإنفلونزا موسمية في مراحل معينة ولأعمار معينة، وقد يكون قاتلا لكبار السن والمصابين بأمراض مزمنة، وللصغار كذلك، كحال أي مرض لا تستطيع مناعة الجسم مقاومته.
وبحسب إفادة مدير الأمراض المعدية والمناعة في معهد مينزيس الصحي في كوينزلاند، البروفيسور نايجل ماكميلان، فإن القلق ليس من الفيروس بحد ذاته بقدر ما هو من مبالغة تقارير إعلامية في إثارة الرعب بمعلومات مغلوطة، مضيفاً أنه لا يرغب في إثارة الذعر وتخزين الطعام والوقود وكأن العالم يمر بكارثة، في حين أن الأمر أشبه بالإنفلونزا الموسمية.
وعوداً على بدء، فقبل عام 1796 وحين كان الجدري مرضاً قاتلاً، أو في أحسن الأحوال مشوهاً للبشر، وحين كان يموت 20% من المصابين به، اكتشف في ذلك العام الطبيب الإنجليزي إدوارد جينر أول لقاح ضد الوباء استخلصه من المرض نفسه. وبحلول أربعينيات القرن الماضي تم القضاء كلياً على الجدري في أميركا وأوروبا، ما يجعلنا نتأكد أن العلم الذي قضى على وباء بشع أصاب الكثيرين بالعمى والتشوه، قادر وبإمكانيات هذا العصر وعلومه وتقنياته المتطورة، أن يقضي على فيروس كورونا، لكن الأمر، على ما يبدو، يعتريه التهويل أكثر من التطمين.

*كاتبة سعودية