لقد ظهر التيار العقلاني في المسيحية بسبب التحول من أفلاطون إلى أرسطو منذ القرن الخامس الميلادي بفضل بويثيوس، ثم ظهر من جديد في القرن التاسع عند جان سكوت إريجنا، وازدهر في القرن الحادي عشر مع اللاهوتيين الجدليين، وفي القرن الثاني عشر عند أبيلار، وفي الثالث عشر عند توما الاكويني الذي أصبح ممثلا للفلسفة المسيحية.
وهناك تمايز بين العقل والإيمان، فالعقل الطبيعي قادر على الوصول إلى معرفة الله عن طريق الأدلة الخمسة اعتماداً على أرسطو: دليل الحركة (لكل متحرك محرِّك، والله هو المحرِّك الأول)،  والله هو مسبب الأسباب، ودليل الغاية (كل شيء له غاية، والله هو غاية الغايات)، ودليل العرض والجوهر، ودليل الممكن والواجب .
والإيمان وحده هو القادر على الوصول إلى الإله في المسيحية، ثم بعد ذلك يعمل الفهم عن طريق «عقل الإيمان»، حيث تتدرج المعرفة من العقل إلى الإيمان إلى عقل الإيمان. لهذا قسم الاكويني عمله إلى نوعين: الأول يعتمد على العقل الخالص، وهو «الرد على الأمم». والثاني توضيح السر، وهو «الخلاصة اللاهوتية». الأول يعرض فيه المقدمة العامة «اللاهوت» وتأسيسه على العقل الطبيعي. وتلك مهمة الحكيم. والعقل الطبيعي قادر على اكتشاف الحقيقة الإلهية ثم تصبح بعد ذلك موضوعاً للإيمان العقلي.
والعقل جزء من النفس. وكما تستطيع النفس من خلال الحواس إدراك الأشياء المرئية (أي ما هو أدنى منها)، فإنها تستطيع أن تتصور من خلال العقل الأشياء غير المرئية (أي ما هو أعلى منها). العقل قادر على معرفة الأشياء المفردة واللانهائية والحادثة والممكنات المستقبلة. والنفس العاقلة قادرة على معرفة جوهرها وعاداتها. العقل قادر على معرفة فعله وإرادته. والقوى العاقلة من قوى النفس، والعقل قوة في النفس، قوة منفعلة وفاعلة. ويُفترض وجود عقل فعال لكل البشر. ويتضمن العقل الذاكرة كقوة متميزة عنه. وفي العقل درجات منها الذهن. والعقل نظري وعملي، معرفي ووجودي يتجلى في الوعي بالذات.
وموضوع الإيمان هو الحقيقة الأولى غير المرئية وغير المعروفة، وهو ليس مركباً بل بسيط، لا يخطئ. وتتنوع موضوعاته، مباشرة أو عن طريق الرمز. والإيمان نفسه فعل داخلي، أي فعل تفكّر وانتماء، وهو قادر على التمييز بين أصنافه ودرجاته. والإيمان بما يتجاوز العقل الطبيعي ضروري للخلاص، مثل الإيمان بالمسيح كمخلِّص. الإيمان فعل خارجي عن طريق الإعلان والشهادة. الإيمان فضيلة بل هو أول الفضائل. وهو كما عرّفه الحواري «الإيمان جوهر الأشياء التي نأمل فيها، وحجة للإيضاح». الإيمان محله العقل. والإحسان جزء من الإيمان.. يشكّل ويتشكل.. وله يقينه الخاص مثل اليقين العقلي واليقين العلمي. وهو يزيد وينقص، يشتد ويضعف.. وهو هبة من الله. ونور الإيمان أعلى من الإيمان، وهو مصدر الفلسفة والوعظ واللاهوت.
العقل هبة من الله ، كما أن الإيمان هبة من الله، وقد يوجدان في نفس الوقت.. وهو عقل نظري وعملي، يتميز عن الهبات الأخرى. وهو مذكور في الغبطة السادسة: «سعداء القلوب الصافية لأنهم يرون الله»، فالإيمان يستجيب لهم كما يستجيبون هم للإيمان. والكفر نتيجة لغياب العقل. وعموماً فإن الحياة التأملية مرتبطة بالعقل والإرادة، بالمعرفة والسعادة، بالله وبالعالم على نحو دائم.

*أستاذ الفلسفة -جامعة القاهرة