لو كان «توماس جيفرسون» أو «جيمس ماديسون» يبنون الأمة اليوم، فما كانوا سيقرؤون؟ إن نجاح أميركا قام في جانب ليس بالصغير منه على فهم المؤسسيين للطبيعة البشرية. وهذا كان يعني في القرن الثامن عشر، دراسة فلاسفة التنوير مثل روسو ومونتسكيو ولوك. أما الآن، فربما هذا يعني إجراء مقابلة مع «نيكولاس كريستاكيس». والبروفسير كريستاكيس يدير معمل الطبيعة البشرية في جامعة يل في نيو هيفين بولاية كونتيكت. وكتابه الحديث وهو بعنوان «نموذج تجريبي: الأصول التطورية لمجتمع صالح» يعطي انطباعاً بأنه أطروحة في التنوير. وباستخدام المناهج والأدوات العلمية التي لم يكن تخيلها ممكناً تقريباً قبل ثلاثة قرون، أخضع كريستاكيس البشرية لاختبارات وتوصل إلى استنتاج قد يثير دهشة بعض الناس وهو أن «مسار تاريخنا التطوري طويل لكنه يميل نحو الخير».
وكجزء من جهودي للتعرف بالقراء والمفكرين الذين يعملون على مسعى تعزيز أفضل ما في طبيعتنا، جلست أتحدث مع كريستاكيس، في ديسمبر 2019، وانتقلنا بالحوار إلى السياسة. وتوحي أبحاث كريستاكيس بأن «الجانب الاجتماعي» -مثل الحب والصداقة والتعاون والتعليم- عنصر كامن في الكائنات البشرية رغم أننا نميل إلى مشاركة هذه الصفات انتقائياً مع الأشخاص الذين يشبهوننا «في جماعتنا». ويؤكد «كريستاكيس» أن أميركا تمثل، على عدة أنحاء، تجربة اجتماعية غير مسبوقة تختبر مدى قدرة البشر على مشاركة هذه الجوانب الاجتماعية على نطاق أوسع.
وفي هذا السباق، مثلت أميركا قوة كبيرة. فلدى أميركا هويات عابرة للجماعات الصغيرة. ويرى «كريستاكيس» أن المرء، على سبيل المثال، «قد يذهب إلى كنيسة مختلفة يرتادها شخص آخر، لكن يكون لديه ارتباطات به» - مثل أن أطفاله لعبوا البيسبول معاً أو أنه ذهب إلى المدرسة نفسها أو له المهنة نفسها. وكلما قل العزل- ليس فقط على أساس عرقي بل على أساس الأيديولوجيا والدين والدخل والتعليم- «كلما قويت الديمقراطية». لكن هذا تغير في العقود القليلة الماضية. فالناس يتحدثون الآن عن العيش في فقاعات «فيسبوك» التي لا يتفاعلون فيها إلا مع الأشخاص الذين يتفقون معهم، وهذا تجاوز فضاء مواقع التواصل الاجتماعي إلى العالم الواقعي الذي أصبح فقاعات أيضاً. إننا نعيش في مجتمع يتزايد «تصنيفات». ويرى «كريستاكيس» أنه كي تتغلب ديمقراطية تعددية على الحس المتعصب للانتماءات الضيقة، يتطلب الأمر أن يوجد مواطنون لهم هويات تعبر التصنيفات المختلفة. فما الذي يتعين علينا القيام به الآن؟ يمكننا محاربة الميول القبائلية عبر طريقة من اثنتين، بحسب قول «كريستاكيس». فإما أن نصعد لأعلى أو ننزل لأسفل.
فيمكننا الصعود إلى هوية أعلى توحدنا كمواطنين، على سبيل المثال. ومعظم الدول الأمم ترى أن هويتها تنتمي لعرق أو لغة معينة، لكن «مما لا نظير له تقريباً في تاريخ العالم أن أي شخص يستطيع أن يصبح أميركياً». أو ينزل المرء إلى مستوى يعترف فيه بالقيمة الأصيلة لكل فرد، كما جادل بذلك مارتن لوثر كينج. ويعتقد «كريستاكيس» أن «كل إنسان له آراء متحيزة»، لكن هذا يمكن التغلب عليه من خلال «قدراتنا الغريزية على الإقرار بالتفرد الذاتي للآخرين وتشكيل صداقات». وذكر «كريستاكيس» أن المؤسسين أدركوا في نهاية المطاف الأمر على النحو الصحيح. فالدستور يعكس ملامح حاسمة في الطبيعة البشرية. ويعتقد «كريستاكيس» أن المد السياسي قد يطغى على دوافعنا الدفينة في الخير في الجانب الاجتماعي لكن هذا يدوم «لفترة من الوقت فحسب».
مارك سابنفيلد
صحفي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»