هذا الأسبوع، طُلب من هيئة محلفين ثانية تحديد ما إن كان أستاذ الجغرافيا بولاية أريزونا سكوت دانييل وارن تنبغي معامَلته كمجرم لأنه وفر مأوى مؤقتاً لمهاجريْن من أميركا اللاتينية وجدهما في صحراء أريزونا يعانيان العطش والجفاف وتقرح القدمين. «وارن» وُجهت له تهمة نقل وإيواء أشخاص كانوا في الولايات المتحدة بشكل غير قانوني، بعد ساعات على نشر منظمته («لا مزيد من الوفيات») مقطع فيديو يُظهر عناصر من قوات خفر الحدود الأميركية يقومون بإفراغ قنينات ماء كان أعضاء المنظمة قد وضعوها في صحراء أريزونا، حيث قضى آلاف المهاجرين. وبعد محاكمة دامت 10 أيام، عجزت هيئة المحلفين الأولى في قضية وارن عن التوصل لحكم، رغم أن الحكومة أسقطت تهمة التآمر وسعت لتثبيت تهمة إيواء أشخاص ليست لديهم أوراق رسمية.
أما الفرنسيون فيعتمدون مقاربة مختلفة، فالمزارع سيدريك هيرو الذي أُطلق على عمليته لقب «شبكة الأنفاق السرية الفرنسية»، ساعد أكثر من 250 مهاجراً أفريقياً غير شرعي على إيجاد مأوى قبل إيقافه عام 2016. وكان هيرو يمدّ المهاجرين الذين وصلوا إلى فرنسا بالمأوى والطعام والعمل، ووفي 2017 أدين بخرق القانون عبر «تسهيل الدخول غير القانوني لمواطنين أجانب»، لكن إدانته أُوقفت من قبل «المجلس الدستوري» الفرنسي على أساس أنه بمساعدته أولئك الأشخاص اليائسين، كان يطبّق فقط مبدأ «الإخاء» الدستوري الذي يسمو على بنود القوانين الجنائية ويتفوق عليها.
في الولايات المتحدة، لا تملك المحكمة أي سلطة لإسقاط التهم الموجهة لـ «وارِن» على أساس أنه كان يعامل مهاجرين غير شرعيين كإخوان له. أما المجلس الدستوري الفرنسي، فكانت لديه تلك الإمكانية لأن الفرنسيين ينصون على قيمهم الأساسية في شعارهم الثلاثي: «الحرية، المساواة، الإخاء». وقال المجلس إن الإخاء يشمل «حرية مساعدة بعضنا بعضاً، لأسباب إنسانية، بغض النظر عما إن كان الشخص الذي تقدَّم له المساعدة يقيم داخل التراب الفرنسي بشكل قانوني أم لا».
والمؤكد أن مفهوم الإخاء الفرنسي يتضمن قيماً تتعارض مع رؤيتنا الأميركية التقليدية للحرية. فالقانون الفرنسي يحظر على النساء المسلمات ارتداء النقاب في الأماكن العامة. وهو حظر أيدته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على أساس أن «صون فكرة (العيش المشترك) هدف مشروع للسلطات الفرنسية». أما في الولايات المتحدة، فإن التعديل الأول يكفل حريتنا في ارتداء لباس ديني في الأماكن العامة في معظم الحالات. إذ نعتبر أن المجتمع ليس لديه حق الاعتراض على تعبيرنا الديني الفردي. التجانس والعلمانية ليسا من القيم التي يتبناها دستورنا، ولكن ثمة عناصر أخرى من الإخاء من شأنها أن تكون مكمّلاً مهماً لقيمتي الحرية والمساواة اللتين نتبناهما. فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنته الأمم المتحدة عام 1948، يمنح الأولوية لشكل متغاير من الإخاء، إذ تنص ديباجته على أن «الاعتراف بكرامة كل أعضاء العائلة الإنسانية وحقوقها الثابتة والمتساوية هو أساس الحرية والعدالة والسلام في العالم». وهذا هو المفهوم الذي يقوم عليه قرار «المجلس الدستوري» الفرنسي بخصوص هيرو، إذ يطبق قيمة إنسانية يفترض أن تكون جذابة لكل الأميركيين أيضاً. لكن وارن مضطر الآن لأن يعتمد على الصيغة الإجرائية المحدودة جداً للإخاء التي يوفرها دستورنا: الالتزام بمحاكمة من خلال هيئة محلفين، كما ينص على ذلك التعديل الثامن.

سوزان هرمان
أستاذة القانون بكلية بروكلين للقانون ورئيسة «اتحاد الحريات المدنية» الأميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلوميبرج نيوز سيرفس»