ضغطَ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على الحلفاء مؤخراً بالطريقة الخطأ من خلال مواقف غير شعبية من حلف «الناتو» («الميت دماغياً»)، وتوسيع الاتحاد الأوروبي «مثل محاولتك دهن قطعة خبز تزداد كبراً بالزبدة)، و«بريكست» («كل تأجيل يحتاج لسبب»). المدافعون عنه في بروكسيل يقولون إنه في مهمة لإيقاظ الاتحاد الأوروبي. لكن رد الفعل الرافض كان واسع النطاق، حيث وُصفت رؤية ماكرون للناتو بشكل خاص بأنها «محيرة» من قبل ألمانيا و«خطيرة» من قبل بولندا.
لكن رغم كل مشاعر الغضب، فإنه ما من شك في أن حث الاتحاد الأوروبي على بحث أسئلة وجودية حقيقية بشأن مستقبله ككتلة آخذة في التقلص وسط نزاع جيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين، هو شيء جيد. أما الشيء غير المساعد، فهو النبرة.
لنخطُ خطوة إلى الوراء ولنتأمل التحديات التي تواجه الاتحاد الأوروبي. فرحيل المملكة المتحدة يعني توديع 14? من الناتج المحلي الإجمالي للكتلة، و40? من قوتها العسكرية. كما يعني ضربة لتطلع أوروبا إلى بلوغ هدف اتحاد أكثر ترابطاً واندماجاً بين الأوروبيين الذين عبّروا في بلدان أخرى عن سخطهم واستيائهم من الوضع القائم.
وعبر المحيط الأطلسي، يُعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب رئيساً مناوئاً للاتحاد الأوروبي بشكل صريح، فقد رحّب ببريكست، واستخدم الرسوم الجمركية كسلاح، وتساءل حول ما إن كان سيرسل جنوداً للدفاع عن أعضاء حلف «الناتو». كما أن الصعود الموازي لصين أكثر ميلا لتأكيد قوتها المتزايدة، صين تستخدم المال والتكنولوجيا والقوة العسكرية، أقلق الاتحاد الأوروبي وقسّمه.
الكابوس بالنسبة لفرنسا هو أنه بدلا من الرد على هذه التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية بحلول أوروبية، ينجرف الاتحاد الأوروبي إلى ما سمّاه ماكرون بـ«أوروبا السوبرماركت»: أي كتلة تجارية كبيرة، تتوسع شرقاً أكثر فأكثر، وحيث يقوم الأعضاء بتجارة حيوية مع بعضهم بعضاً، لكنهم يظلّون منقسمين سياسياً ويتركون آخرين ليقوموا بمهمة الدفاع الصعبة عن رخائهم. ولهذا السبب يعبّر ماكرون عن الغضب وخيبة الأمل كلما طال أمد بريكست، إذ يصور المملكة المتحدة باعتبارها تعيق باستمرار اندماجاً أكبر للاتحاد الأوروبي يراه ماكرون ضرورياً. ولهذا السبب فهو حريص على تحديد المخاطر التي تواجه التحالف الأطلسي من أجل تحفيز حلفائه وحثّهم على التحرك. ولهذا السبب أيضاً يعاني من تعب التوسيع: فهو يخشى أن تؤدي إضافة مزيد من الدول الأعضاء من دون دفعة كبيرة موازية لميزانية الاتحاد الأوروبي إلى زيادة الانقسام الداخلي والاعتماد الخارجي على «الناتو».
ومن الخطأ الاعتقاد بأن هذا ضغط تحرّكه مصلحة ذاتية من قبل باريس من أجل السيطرة على الاتحاد الأوروبي. إذ هناك دول أخرى تتقاسم هذا القلق، مثل ألمانيا التي خطت بعض الخطوات في اتجاه ماكرون، إذ أيدت المستشارةُ أنجيلا ميركل رؤيته المستقبلية لجيش أوروبي، وجددت وزيرةُ الدفاع أنيغريت كرامب كارنباور الدعوة إلى تعاون أمني أكبر في وقت سابق من هذا الشهر. كما انضمت حكومات الاتحاد الأوروبي مؤخراً إلى ميثاق دفاعي من أجل تطوير تكنولوجيا مشتركة و«صندوق دفاع أوروبي» بقيمة 13 مليار يورو، تكرهه الولايات المتحدة. كما أيّدت ألمانيا رؤية ماكرون لأوروبا متعددة السرعات، تتقدمها نواة ذات علاقات أكثر اندماجاً في الطليعة بينما ترزح بلدان أخرى في المؤخرة.
غير أنه من الواضح أن برلين هي الجمهور المستهدَف في ما يتعلق بغضب ماكرون. ذلك أنه يريد تحفيز ألمانيا وحثّها من أجل الاستعداد لمرحلة ما بعد بريكست، لأن ألمانيا وحلفاء «مدخرين» آخرين يبدو أنهم يريدون التقشف و«شد الحزام» أثناء توسع الكتلة، كما أن كلمات ألمانيا الُمطَمْئنة بخصوص الدفاع لا تتوافق دائماً مع ترددها في ممارسة القوة المباشرة، وفق جودي ديمبزي من مركز كارنيجي -أوروبا. صحيح أن نبرة ماكرون كانت قوية جداً، وتفتقر لقدر غير قليل من الدبلوماسية. لكن ربما بات يستشعر الفرصة: فميركل باتت «بطة عرجاء»، وفرنسا أضحت في وضع اقتصادي أوثق، والبريطانيون راحلون. غير أن الأمر لا يتعلق بالسيطرة على الاتحاد الأوروبي أو باستبدال «الناتو»، فباريس أبعد ما تكون عن أن تكون مستعدة للشروع في توسيع مظلتها النووية الخاصة عبر القارة، والأفكار مثل «مجلس أمن أوروبي» إنما تشير إلى تعزيز للعمود الأوروبي داخل «الناتو»، وفق فريديريك مورو، الباحث بمعهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس. كما يرغب ماكرون أيضاً في مشاركة بريطانيا في الدفاع رغم أنها لم تعد في الاتحاد الأوروبي. إنه مفترق طرق بالنسبة للاتحاد الأوروبي. فهذا الأخير أبلى بلاءً حسناً في الدفاع عن مصالحه ككتلة قوة ناعمة. لكن، ومثلما يؤكد زكي لايدي، أستاذ العلاقات الدولية بمعهد باريس للدراسات السياسية «سيونس بو»، فإنه في حاجة للاستعداد لمرحلة «القوة الحادة»، مرحلة تحوّل فيها أدوات تقليدية مثل التجارة أو التكنولوجيا إلى أسلحة من قبل الولايات المتحدة والصين. وبالتالي، فإن تحديد كيف وأين يمكن ممارسة القوة الصلبة مسألة أساسية بالنسبة للاتحاد الأوروبي. وإذا لم يتم عمل أي شيء بخصوص مواقف ماكرون ولم يتم تقديم أي بدائل، فإن الخطأ حتماً لن يكون خطأه وحده.


*صحافي متخصص في الشؤون الأوروبية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»