ألقت «جريتا ثانبيرج» كلمة شديدة اللهجة يوم الاثنين في قمة الأمم المتحدة للمناخ. فلم تعبر«ثانبيرج» بحال من الأحوال عن امتنانها بالاهتمام الذي حظيت به من زعماء العالم بل عبرت عن غضبها من أن هذا الاهتمام لم يتمخض عن تحرك جذري نحو التصدي لمشكلة المناخ. وهذا الغضب قد يتسبب في مشكلات للمؤسسة السياسية التي اختارت حتى الآن تأييد الناشطة المناخية السويدية البالغة من العمر 16 عاما.
وجوهر رسالة «ثانبيرج» تمثل في أن العالم عليه ألا ينفث أكثر من 420 جيجاطنا (مليار طن) من ثاني أكسيد الكربون بدءا من الأول من يناير عام 2018 حتى لا ترتفع درجات الحرارة أكثر من 1.5 درجة فوق المستويات السابقة على عصر التصنيع. ورسالتها تلك مستقاة من تقرير صدر العام الماضي عن «الهيئة الحكومية بشأن تغير المناخ» التابعة للأمم المتحدة. وقدرت الهيئة أن الالتزام بـ «ميزانية الكربون» تلك حتى نهاية القرن تمنحنا فرصة بنسبة 66% بألا تزيد حرارة الكوكب عن 1.5 درجة وهو الهدف الذي حدده اتفاق باريس للمناخ عام 2016.
وسألت «ثانبيرج» في كلمتها قائلة «كيف تجرؤون على الاستمرار في التجاهل ثم تأتون إلى هنا وتقولون إنكم تقومون بما يكفي بينما السياسات والحلول المطلوبة لم تظهر للعيان ولو من بعيد؟» إنها محقة في أن السياسات الحالية ليست كافية. فقد أشار مشروع مدعوم من وزارة البيئة الألمانية يرصد مساعي التحرك بشأن المناخ إلى أن الدول إذا أوفت بالتزاماتها في التحرك للتصدي لظاهرة تغير المناخ فان العالم سيتجاوز ارتفاع درجة الحرارة 1.5 درجة نحو عام 2035 ودرجة الحرارة سترتفع درجيتين بحلول عام 2053. وأشارت «الهيئة الحكومية بشأن تغير المناخ» إلى أن هذا الارتفاع سيؤدي إلى سلسلة من الكوارث البيئية وجميعها سيكون في المدى العمري المتوقع لحياة «ثانبيرج». وحرصت «ثانبيرج» في كل خطبها على تذكير الزعماء بأن إطار عمل الأهداف، الذي شاركوا في وضعه أكثر طموحاً من السياسيات الفعلية التي تبنوها من أجل تحقيق الأهداف.
وكمثال واحد فحسب، في ألمانيا، طالبت حركة احتجاجات «أيام الجمعة من أجل المستقبل» التي دشنتها «ثانبيرج» بتقليص بنسبة 25% في توليد الطاقة في البلاد من حرق الفحم بحلول نهاية هذا العام وفرض 180 يورو (198 دولارا) كضريبة على كل طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. فحتى «حزب الخضر» الألماني لم يمض إلى هذا الحد. فالحزب يستهدف تقليص توليد الطاقة من الفحم بنسبة 25% بحلول نهاية عام 2022 والضريبة التي يفرضها تبلغ 40 يورو على كل طن من ثاني أكسيد الكربون.
والمشكلة في الأهداف المناخية السامية مثل تقييد ارتفاع درجة الحرارة بواقع 1.5 درجة أو مسعى «أورسولا دون دير ليين» الرئيسة المنتخبة للمفوضية الأوروبية نحو تعادلية الاتحاد الأوروبي في الكربون بحلول عام 2050، أنه من الصعب توفيقها مع الأهداف السياسية المعقولة الأخرى مثل التأكد من أنه لا توجد اختلافات كبيرة بين الدول في مستويات المعيشة. وحين يتعلق الأمر بالحكم- خاصة النمط الأوروبي منه القائم على الائتلافات- يتعين العثور على توافقات بين السياسات البيئية والاجتماعية على سبيل المثال. ولذا كان لدى «ثانبيرج» خياران: إما الاستمتاع بشهرتها وقبول الجوائز وإلقاء خطب أمام زعماء العالم تحظى بموافقتهم، أو اللجوء إلى خطاب أكثر راديكالية يضعها خارج التيار العام، وهو ما اختارته فيما يبدو.
وكلمتا «كيف تجرؤون» اللتان كررتهما «ثانبيرج» في كلمتها ستجذبان انتباه جيل أصغر سنا يشعر بالإحباط من الانفصال بين الأهداف الطموح طويلة الأمد للسياسيين وتواضع الأعمال التي يتم تحقيقها. ويجب الاهتمام جديا باحتمال أن يتحول هذا الإحباط إلى غضب، ويجب أن يكترث لهذا السياسيون الذين اعتقدوا أن كل ما عليهم فعله هو السماح ل«ثانبيرج» بالحديث.
*كاتب روسي مقيم في برلين
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»