أول أمس الاثنين، وأثناء رحلة الذهاب إلى العمل صباحا، شهدت العاصمة الأميركية واشنطن توقفا تاما في حركة السير بفضل المشاركين في المسيرات الاحتجاجية ومرددي الشعارات هذا بالإضافة إلى المتفرجين. وحذرت إحدى اللافتات راكبي سياراتهم المنفردين والمستائين قائلة «لا يوجد كوكب بديل» ودعت لافتة أخرى إلى «بث الحب وليس الانبعاثات». وراكبو السيارات كانوا في منتهى الضيق، بينما كنت- أنا كاتبة هذه السطور- في منتهى السعادة، لأن الاحتجاج يتعلق بتغير المناخ وجاء ترديداً لصدى احتجاجات على مستوى العالم تصدرها في الأساس شباب صغار السن يشعرون بالخوف على الكوكب وأرادوا عرقلة حركة السير في العاصمة الأميركية ليوم واحد ليلفتوا الأنظار إلى قضيتهم.
وتم اختيار يوم الاحتجاج في العاصمة الأميركية ليوافق انعقاد قمة التحرك بشأن المناخ للأمم المتحدة لعام 2019. والاحتجاجات في واشنطن هي امتداد لاحتجاجات في نيويورك قادتها المراهقة السويدية جرينا ثانبيرج. وأفحمت «ثانبيرج» المشرعين الأميركيين في شهادتها في الأيام القليلة الماضية في الكونجرس بما قدمته من أدلة علمية على تغير المناخ.
لقد غطيت مثل هذا النوع من الاحتجاجات لما يقرب من ثلاثة عقود ولم أكن دوما من المعجبين بها. فأثناء الاحتجاجات ضد سياسات البنك الدولي قبل عقد من الزمن، شاهدت أفراد الشرطة الذي يقضون ساعات إضافية كثيرة من العمل بينما يتهكم عليهم طلاب الجامعات وهم يرقصون بالدمى مما جعل ريبتي في المحتجين أكبر من ريبتي في الرأسمالية. وكانت مثل هذه الاحتجاجات، في غالب الأحوال، ليست إلا تسويغا لخلق فوضى ولتجاهل تعقيد القضايا المهمة والتفاصيل المهمة ولمعاقبة وإزعاج الذين لم يقترفوا الجرائم التي يرفعون صوتهم بها.
وكان مسرح احتجاجات يوم الاثنين معتادا. فقد تم اعتقال 32 شخصا بينهم أشخاص كانوا مقيدين بسلاسل في قارب شراعي باللونين الوردي والأصفر وضع عند تقاطع شارعين رئيسيين وكان هناك دميات ورقص وهتافات. صحيح أن الشركات من كبار المعتدين على البيئة. وصحيح أن الإدارة الأميركية التي ترفض العلم وتشد عزم القائمين على تلويث البيئة تساهم في هذا الاعتداء أيضا. لكن الشخص الذي يجلس وحده في سيارته وحيدا وسط حركة السير ممسكا بعجلة القيادة مرتشفا مشروبه الساخن المحلى بقدر كبير من السكر والذي اشتراه صباحا هو رقم واحد في قائمة الأشرار.
فلأول مرة منذ 40 عاما، ليست المصانع هي المتسببة في أعظم الضرر. بل وسائل المواصلات- السيارات والحافلات والشاحنات والطائرات- هي رقم واحد في المشاركين في السحابة المسممة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي تنفثها أميركا، وفقا لـ «وكالة حماية البيئة» في الولايات المتحدة. وهذا يحدث بسبب تخفيف أو إلغاء معايير الانبعاثات. وحتى حين تحاول الولايات تولي الأمر بنفسها، تصر إدارة ترامب على جعل اليد العليا للشركات. وكي نتأكد من هذا، ما علينا إلا إلقاء نظرة على حرب اللوائح التنظيمية بين كاليفورنيا والإدارة الاتحادية. وفي قضية البيئة هذه، يستطيع كل شخص عادي على الأرض رعاية البيئة ومعالجتها.
وما على المرء إلا إلقاء نظرة على حركة السير في الصباح والمساء. فهناك جداول وجداول من السيارات التي ليس بها إلا شخص واحد. وبعض من هذا تفضيل وامتياز، لكن بالنسبة لكثير من عامة الشعب، فأنظمة النقل العام المتداعية مكلفة للغاية ومرهقة وغير كفء. لكن وجود نظام مواصلات عام ذكي وكفء يمثل أداة محورية لتحقيق مجتمع صحي. وهذا لن يأتي إلا إذا اقتحم الناس الاجتماعات وأدلوا بأصواتهم وطالبوا زعماءنا بخلق نوع من الأنظمة المستدامة والصديقة للمستخدم والمطبقة بالفعل حول العالم. وهذه هي البداية.
لكن كل رحلة نقطعها بالسيارة ونحن لسنا في حاجة إليها تمثل مساهمة صغيرة للغاية في تغير المناخ وفي العواصف الاستوائية التي تضرب سواحلنا والفيضانات في أيوا والجفاف الذي يضرب الأراضي الزراعية في العالم ويفاقم مشكلة الندرة. وكل هذا يثير الحروب ويقود إلى عمليات النزوح والهجرة. إنها سماء واحدة وكوكب واحد نقف عليه جميعاً.
بيتولا دفورجاك
صحفية أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»