لم تكن «لورا كريدبيرج» تعتقد أنها ستدرس الكواكب خارج المجموعة الشمسية. وبالتأكيد، عندما بدأت دراستها في كلية الدراسات العليا عام 2011، كانت العوالم خارج نطاق نظامنا الشمسي هي آخر الصرعات. وكانت وكالة «ناسا» للفضاء قد أطلقت قبل عامين المرصد الفضائي «كيبلر» من أجل استكشاف كواكب خارجية، وكانت الاكتشافات تتدفق. لكن كريدبيرج لم تكن تشعر بالحماس.
وهي تتذكر قائلة «إنه مجرد حدث عابر». سنقوم بتحديد بعض الكواكب، ونحسب حجمها ومدى السرعة التي تدور بها حول نجومها، ثم ستنتهي الإثارة. وفكرت أن ملامحها الأخرى ستظل في عالم الخيال. وعلى أي حال، ماذا يمكنك أن ترى من على بعد سحيق؟
لذا، عندما أخبرها أحد الأساتذة أنه كان يحاول دراسة ليس فقط الكواكب خارج المجموعة الشمسية، بل أيضاً أجواءها، فكرت أن «هذا يبدو سخيفاً». لكن التحدي أثارها.
واليوم، تقول دكتور «كريدبيرج»، وهي زميلة باحثة في مركز «هارفارد-سميثسونيان» للفيزياء الفلكية وتدرس أجواء الكواكب خارج المجموعة الشمسية: «نعم، هذا ممكن تماماً. وقد فعلنا الكثير بالفعل».
وفي هذا الأسبوع فقط، في الواقع، ذكر فريقان بشكل مستقل أن نجاحاً كبيراً قد تحقق: اكتشاف بخار الماء في الغلاف الجوي لكوكب خارج المجموعة الشمسية يدور حول نجم قزم أحمر على بعد 111 سنة ضوئية من الأرض. كان علماء الفلك قد سبق أن اكتشفوا بخار الماء في أجواء بعيدة. لكن كوكب «كيه2-18بي» هو أول كوكب خارج المجموعة الشمسية يدور أيضاً حول نجمه في منطقة صالحة للسكن، المنطقة المحيطة بنجم حيث الطقس ليس حاراً للغاية ولا بارداً للغاية، ما يسمح بوجود الماء السائل – ويعتقد أنه مكون رئيسي للحياة البيولوجية. وهو أيضاً واحد من أصغر الكواكب التي تمكن العلماء من إجراء هذا الكشف بها حتى الآن.
وحسب «بيورن بينيكي»، باحث في مجال الكواكب الخارجية بجامعة مونتريال «لم يعد الأمر خيالاً علمياً. والشيء المذهل حقاً بشأن هذه الحقبة، هو أننا نقوم بهذا بنشاط. يمكننا أن نذهب ونستكشف كل كوكب بذاته ونرى ماذا يجري هناك».
ومع مثل هذه الاختراقات، بدأ العلماء التركيز على بعض جوانب تلك العوالم البعيدة، لكن البيانات التي يمكنهم جمعها لا تزال محدودة. وتظل الكواكب خارج المجموعة الشمسية محاطة بالغموض إلى حد بعيد، ودراستها تتطلب عقلاً مرناً.
تقول دكتور «كريدبيرج»، التي لم تشارك في أي من الدراستين: «إنه نوع من التمارين العقلية التي يتعين عليك القيام بها لكي تتخيل الكوكب كمكان حقيقي. فمن الصعب أحياناً إدراك حقيقة هذه الكواكب التي تعتبر غريبة، مقارنة بأي شيء رأيناه في النظام الشمسي، وهي بعيدة للغاية لدرجة أننا لا نستطيع رؤيتها فعلياً».
ومعظم الكواكب المعروفة خارج المجموعة الشمسية بعيدة جداً بدرجة لا يمكن تصويرها مباشرة، حتى بوساطة أقوى التلسكوبات الفضائية. لذا، فإن علماء الفلك يتبعون عادة طريقة غير مباشرة تعرف باسم طريق العبور.
عندما يمر كوكب أمام نجمه، يخفت ضوء النجم بشكل طفيف. تخيل أن تراقب ناموسة وهي تمر أمام مصباح في الشارع من على بعد ميل أو نحو ذلك، كما توضح «هنا ووكفورد»، باحثة في مجال الكواكب الخارجية في معهد مراصد علوم الفضاء في بالتيمور، ماريلاند. إن تعتيم القمر على فترات منتظمة يشير إلى أن النجم يستضيف كوكباً دائراً. ولكن كيف يمكنك قول أي شيء عن الكوكب – ناهيك عن غلافه الجوي – من مثل هذا المؤشر الخفي؟
ومن المفارقات أن شفافية الغلاف الجوي هي التي تمكن العلماء من اكتشافه. فعندما يمر الضوء عبر الغاز، يتم امتصاص أطوال موجية معينة. ويمكن للعلماء النظر إلى أطياف الضوء لتحديد ما في الجو.
تقول «لورا شايفر»، باحثة في مجال الكواكب الخارجية بجامعة ستانفورد: «عندما يكون الغلاف الجوي هو الميزة الوحيدة التي يمكن الوصول إليها والتي يمكن ملاحظتها عن الكواكب الخارجية، فإن هذا سيعطينا أي إشارة عن تركيبها». وهذا، بدوره، يمكن أن يظهر الظروف السطحية وصلاحية السكنى، أو حتى، ربما، إذا كان الكوكب مأهولاً.
هناك الكثير من الأسئلة التي تدور حول كوكب «كيه2-18بي». والسؤال الكبير الذي يريد الجميع معرفة إجابته –هل يمكن لأي شيء أن يعيش هناك؟ ما زال غير قابل للإجابة. وبالرغم من أن بخار الماء في الغلاف الجوي لكوكب ما في المنطقة الصالحة للسكن في كوكبه هو علامة جيدة، لا يعلم الباحثون ما إذا كان «كيه2-18بي» يحتوي بالفعل على ماء سائل أو أي خصائص أخرى يعتقد أنها ضرورية للحياة كما نعرفها. ومع ذلك، فقد وجدت إحدى فرق البحث أنه في نموذج محتمل لـ «كيه2-18بي»، قد تتشكل غيوم أمطار الماء السائل في الغلاف الجوي. وهذا السيناريو، كما يوضح دكتور «بينيكي»، يفتح إمكانية وجود نوع من دورة الماء. ويضيف أن هذا المطر –إن وجد – ربما لن يصل إلى أي نوع من السطح لأن الغلاف الجوي سميك للغاية.
ويلقي كوكب «كيه2-18بي» الضوء على لغز الكواكب خارج المجموعة الشمسية، والتي احتار العلماء بشأنها. فالعديد من هذه الكواكب التي تم اكتشافها حتى الآن لا تشبه إلى حد كبير أي شيء في نظامنا الشمسي، لذا فإن العلماء ليس لديهم نموذج لاستخدامه في اكتشاف شكلها.
ويقع كوكب «كيه2-18بي»، وهو تقريباً ضعف حجم الأرض وتسعة أضعاف كتلتها تقريباً، في فئة ما بين الأرض، أكبر كوكب صخري في نظامنا الشمسي، ونبتون، أصغر عملاق غاز لدينا. ومع ذلك، فإن البيانات الجديدة عن الغلاف الجوي لكوكب «كيه2-18بي» هي «علامة فارقة بالتأكيد. فهي خطوة في الاتجاه الصحيح لأننا يجب أن نرى الأجواء على أمل أن يساعدنا ذلك في اكتشاف ماهية هذه الكواكب»، بحسب ما قالت «سارة سيجر»، عالمة فيزياء فلكية في معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا.
*كاتبة أميركية متخصصة في العلوم والبيئة والتكنولوجيا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»