إلى لحظة كتابة هذه السطور، لم تكشف الرياض عن النتائج النهائية لتحقيقاتها بشأن استهداف أكبر معمل في العالم لمعالجة النفط، رغم أن التحقيقات الأولية التي أعلنتها وزارة الخارجية السعودية قبل أيام أشارت إلى استخدام أسلحة إيرانية في الهجمات التي استهدفت المنشأتين النفطيتين العائدتين لشركة «أرامكو».
وأياً ما كانت نتائج التحقيقات بشأن منصة انطلاق الطائرات المسيّرة أو غيرها من الأسلحة التي استهدفت المنشأتين، أو الدولة التي دبّرت خطة الهجوم، أو هوية الجهة التي قامت بالتنفيذ، فإن القضية أكبر من استهداف معامل نفطية، رغم خطورة هذا الاستهداف، فالقضية في الظروف التي وقع فيها هذا العدوان غير المسبوق.
هذه الظروف تتمثل في الموت غير المعلن لـ «المجتمع الدولي»، أي ذلك الكيان المعنوي الذي يضم عدداً من الدول ذات النفوذ الدولي، والتي تشارك في صنع القرار العالمي، ولها دور فاعل على الساحة العالمية، والتي تتصدى لدور المحافظة على السلم والأمن الدوليين، وعلى رأس هذه الدول الولايات المتحدة الأميركية.
فعلى الأقل بالنسبة للدول الخليجية، لم يعد «المجتمع الدولي» الراهن هو نفسه ذلك المجتمع الذي تأسّست في ظل وجوده، وانصرفت إلى البناء والتنمية بنوع من الحماية منه على أسسٍ من المصالح المتبادلة، ولم يخيّب ظن الخليجيين به إبان الغزو العراقي لدولة الكويت سنة 1990، وكذلك في «ضبط» سلوك ملالي إيران إلى ما قبل الغزو الأميركي للعراق سنة 2003.
فقد بدأت بوادر التغير في «المجتمع الدولي» تجاه الدول الخليجية بالقرار الأحادي الذي اتخذته أميركا بإسقاط صدام، مع تأييد ومشاركة بريطانيا ودول أخرى قليلة، حيث تبع هذا الغزو ترك باب العراق موارباً أمام الملالي ليتسللوا إلى بغداد تدريجياً، الأمر الذي نبّه إليه آنذاك العاهل الأردني فيما وصفه بـ«الهلال الشيعي»، أي نظام عراقي متعاون مع الملالي، يكتمل به شكل الهلال الذي يبدأ في طهران، مروراً ببغداد ودمشق، وانتهاء ببيروت. وهو الهلال الذي تشكّل فعلياً بمرور الوقت، وكاد أن يتمدد باحتلال صنعاء عبر الجماعة «الحوثية»، لولا الحزم السعودي الإماراتي.
وبعدما أصبح الهلال أمراً واقعاً، فوجئ الخليجيون بالدور الغريب للمجتمع الدولي في قضايا لم تغلق ملفاتها نهائياً بعد، أعني أحداث «الربيع العربي»، واللهفة «الأوبامية» للتغيير كيفما اتفق، ثم التعامل الدولي البارد أمام الدم السوري المراق ظلماً، ثم الغموض الكبير الذي صاحب بروز «داعش»، تلك الجماعة التي احتلت مساحات واسعة من أراض ومدنٍ يقطنها الملايين من البشر، وهي أجزاء من دولتين معترف بهما دولياً، وهو حدث لا يصدق أي عاقل أنه بتدبير وتنفيذ مجاميع من المجرمين، ثم الغموض الكبير الذي صاحب اختفاء تلك المجاميع الإرهابية. ناهيكم عن الدور الضمني للمجتمع الدولي في تمدد النفوذ الإيراني بشكل سافر في السنوات الأخيرة.
لكن الأمر الجيد في كل هذا أن وفاة المجتمع الدولي في المنطقة صاحبته ولادة تحالف عربي بقيادة السعودية وبمشاركة رئيسية من الإمارات، وهو التحالف الذي لا بد أن يدوم ويتوسّع، ويكون هو قَدَرُ دولنا، والقوة التي نعلق عليها مصيرنا.‏?