حيلة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، المتمثلة في التنمر على الاتحاد الأوروبي ودفعه إلى اتفاق خروج أكثر سخاء، عبر التعهد بمغادرة الكتلة الأوروبية في 13 أكتوبر، كانت دائماً حيلة احتمالات نجاحها قليلة. ذلك أن افتقاره لأغلبية واضحة في البرلمان البريطاني، وهو شيء أساسي للمصادقة على أي اتفاق حول الخروج، لم يمنح بروكسل أي حافز لتغيير موقفها بخصوص خطوط التفاوض الحمراء. كما أن تهديدات جونسون بشأن خروج من دون اتفاق، وبدلاً من أن تزرع الخوف بين زعماء الاتحاد الأوروبي، لم تؤد إلا إلى انقلاب عدد من أعضاء البرلمان المنتمين لحزبه عليه. وعوض أن يقول لبروكسيل أن تذهب للجحيم، فإنه بات مرغماً الآن على طلب تأجيل.
وبالتالي، أخذ التركيز ينتقل الآن إلى كيف سيكون رد فعل زعماء الاتحاد الأوروبي، وخاصة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على طلب تمديد – الذي سيكون المرة الثالثة التي تؤجل فيه بريكست منذ مارس الماضي. ماكرون، وطيلة فوضى البريكست، لعب دور الشرطي الشرير في مقابل دور الشرطي الطيب الذي لعبته أنجيلا ميركل، حيث ضغط في اتجاه التمديد الأكثر صرامة قدر الإمكان، حرصاً على ألا تتعرض رؤيته لاتحاد أوروبي أكثر اندماجاً وأكثر قوة للعرقلة والإحباط من دولة عضو وضعت رجلاً خارج الاتحاد. ولأن سلوك جونسون غير المنضبط يثبت صواب تلك التحذيرات، فإن لدى ماكرون أسباباً أكثر ليقول «لا» هذه المرة.
وبالفعل، ففرنسا، التي عارضت تمديداً طويلاً لبريكست في أبريل الماضي، أخذت تبعث بإشارات منذ الآن قبل قمة الاتحاد الأوروبي المقررة في 15 أكتوبر. وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية «جون إيف لودريان» خلال نهاية الأسبوع إن بريطانيا عالقة في مأزق، حيث رفض برلمانها المصادقة على أي اتفاق حتى الآن، ولكنه رفض أيضاً اقتراحَاً بديلاً. وقال: «بالنظر إلى الوضع الراهن، فإن موقفنا هو «لا»... إننا لن نقوم بهذا كل ثلاثة أشهر». وقد يقلل المرء من شأن هذا باعتباره خطاب عجرفة آخر من الفرنسيين، إلا أن ماكرون سيلقى على الأرجح تأييداً أكبر من نظرائه في الاتحاد الأوروبي هذه المرة. فقد عيل صبر الجميع إزاء جونسون.
غير أن ماكرون يعرف كيف يلعب مقامرة «بريكست» أيضاً، ذلك أن الرئيس الفرنسي من المستبعد أن يغلق الباب فجأة في وجه البريطانيين تحديداً في اللحظة التي يبدو فيها جونسون على شفا السقوط. فالبلدان يتقاسمان حدوداً، وتعاوناً عسكرياً، وأكثر من 50 مليار يورو من التجارة البينية السنوية. وبدلاً من ذلك، من الأفضل استخلاص تنازلات مع تجنب مظهر إملاء شروط على الناخبين البريطانيين. والواقع أن خروجاً من دون اتفاق ربما ما زال يمثّل إمكانية حقيقية مستقبلاً، غير أنه لا شيء يمكن كسبه من وراء ذلك. بل إن الانقسامات الأوروبية الداخلية مع ألمانيا وآيرلندا ستشتد، ونبرة ماكرون الدبلوماسية كوسيط بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا ستتضرر، وجهوده الإصلاحية الخاصة قد تنحرف عن سكتها جراء تأثيرات غير متوقعة.
ولكن ما هي التنازلات التي يمكن المطالبة بها؟ الواقع أن قائمة الخيارات المألوفة – انتخابات، أو استفتاء، أو محاولة أخرى للمصادقة على اتفاق – ستكون حاضرة من دون شك. ولكن الانتخابات هي التي تبدو الأرجح بالنظر إلى أن جونسون وخصومه يقولون إنهم يريدون انتخابات. انتخابات لا يمكن التنبؤ بنتائجها بكل تأكيد في وقت انقسم فيه ما كان ذات يوم سباقاً ثنائياً إلى سباق رباعي. غير أنه سيكون من الصعب على الاتحاد الأوروبي أن يرفض بشكل متسرع خياراً يمكن أن يعيد ترتيب البرلمان بما يكفي لتمرير اتفاق. ولهذا أخذ مسؤولو بروكسيل منذ الآن يستشرفون سيناريوهي التمديد والانتخابات. ذلك أنهم يعرفون أن لدى جونسون فرصة حقيقية للفوز بأغلبية، عبر لعب دور الرجل التنفيذي القوي الذي يتعرض للعرقلة من المؤسسة السياسية، ولا سيما أن نحو 39 في المئة من الناخبين البريطانيين يؤيدون خروجاً من دون اتفاق، وهؤلاء قد ينظرون إلى جونسون على أنه أفضل وسيلة لتحقيقه.
المفارقة التي يواجهها الاتحاد الأوروبي هو أن منح بريطانيا تمديداً يبدو منطقياً في الوقت الراهن، ولكنه يمكن أن تترتب عنه كلفة عالية على المدى الطويل. ذلك أن جونسون الذي سيشعر بقوة أكبر، ومع أغلبية من المؤيدين لبريكست، قد يعود إلى بروكسيل حينها بقائمة أطول من الشروط. والواقع أن سلوكه في ويستمنستر، حيث اختبر دستور بريطانيا غير المكتوب إلى الحدود القصوى، يشير إلى أن الاتحاد الأوروبي لم يشعر بعد بالقوة الكاملة لتكتيكات ومناورات شعبوي البريكست. غير أنه على المدى القصير، تبدو فرصة تفادي سيناريو «لا اتفاق» مع ممارسة أقصى حد من الضغط أكثر إغراء من أن تُترك.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»