المبعوث الأميركي الخاص «جايسون غرينبلات» الذي يعد أحد المصممين الرئيسيين لخطة الرئيس دونالد ترامب الموعودة للسلام في الشرق الأوسط، استقال من منصبه الأسبوع الماضي، علماً بأنه لم يكشف أبداً عن كلمة واحدة من الخطة المجهولة أو يترأس دقيقة واحدة من مفاوضات فعلية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وقد بات أوضح من أي وقت مضى أن إعادة تفكير الإدارة الحالية في السياسة الأميركية للسلام في الشرق الأوسط كانت فشلاً ذريعاً. والسؤال الآن هو كيف يمكن طي صفحة هذا الفشل من أجل التقدم إلى الأمام.
الأكيد أن هناك فوضى ينبغي تنظيفها. فوضى تسبب فيها فريق ترامب للسلام، برئاسة صهر الرئيس جارد كوشنر، عندما حطّم الأساس المتفق عليه للمفاوضات عبر الاعتراف بسيادة إسرائيل في القدس، من دون التمييز بين الجزءين الغربي والشرقي من المدينة. كما قطع الفريق العلاقات الدبلوماسية مع الفلسطينيين. وقطعت الإدارة الحالية كل المساعدات عن كل ما هو فلسطيني، بما في ذلك قوات الأمن، وبرامج الصحة والتعليم، بل وحتى برامج السلام بين الشعبين.
والأدهى هو دعم البيت الأبيض لسيادة إسرائيل في مرتفعات الجولان، مشجعاً إسرائيل بالتالي على ضم مزيد من الأراضي المحتلة.
وفي الأثناء، أوضح كوشنر وغرينبلات وديفيد فريدمان، السفير الأميركي إلى إسرائيل، أن رئيسهم لم يعد يدعم «حل الدولتين»، وأنه سيضغط فقط في اتجاه ما سموه على نحو فضفاض «حكماً ذاتياً» فلسطينياً ربما داخل «إسرائيل كبرى». وهذه بالطبع نقطة لا فرصة لها في القبول، ليس بالنسبة للفلسطينيين فقط ولكن بالنسبة للسعودية والإمارات وبلدان عربية أخرى أيضاً.
ضمن كل هذا الشغب، اتبع البيت الأبيض الأسلوب نفسه الذي انتهجه في التعاطي مع قانون «أوباماكير»: إلغاء الشيء وعدم استبداله. انسف الإطار الحالي المتفق عليه للمفاوضات نحو «حل الدولتين» من دون أن تكلّف نفسك عناء اقتراح بديل له.
غير أنه لم يفت الأوان بعد لإعادة إحياء التزام أميركا بحل الدولتين، حتى وإن كان عليها انتظار الرئيس الأميركي المقبل.
ولهذا الغرض، ينبغي على واشنطن أولاً أن توضح أن اعترافها بالسيادة الإسرائيلية في القدس ينطبق على القدس الغربية فقط وليس على القدس الشرقية المحتلة، التي ما زال يجب تحديد وضعها من خلال المفاوضات. وبعد ذلك ينبغي عليها أن تعيد دعم اتفاقات أوسلو للسلام لعام 1993، وقرارات مجلس الأمن الدولي – وجميعها حظيت بموافقة الولايات المتحدة – التي تدعو إلى إنشاء دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.
وينبغي على الولايات المتحدة بشكل خاص أن تعيد التأكيد على دعمها لقرار مجلس الأمن الدولي 2334 الذي طالب بنهاية لتوسيع الاستيطان الإسرائيلي. فإسرائيل في حاجة إلى أن تسمع أن أميركا لن تدعم أي عمليات ضم إضافية أو نشاطاً استيطانياً كبيراً.
وينبغي على الدول العربية أن تتلقى تطمينات بأن الولايات المتحدة ما زالت تتقاسم معها الأهداف الكبيرة لمبادرة السلام العربية لعام 2002: الإدماج الكلي لإسرائيل في المنطقة وتأسيس دولة فلسطينية – رغم أن ذلك لا ينبغي أن يعني الانخراط مباشرة في جهد مثالي ومنفصل عن الواقع لتحقيق تغيير فوري. ذلك أن لبنات اتفاق سلام على الجانبين ينبغي أن تطوَّر بتأنٍ وروية.
كما يجب إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الفلسطينيين وإعادة فتح بعثة منظمة التحرير الفلسطينية، وأن تعيد فتح قنصليتها في القدس الشرقية، والتي تمثل بعثتها الدبلوماسية إلى الفلسطينيين.
ومن المهم أيضاً الحؤول دون تدهور الوضع الميداني أكثر. وهذا يعني إعادة المساعدة للفلسطينيين بشكل انتقائي، واستهداف الجهود الميدانية الرامية لتحسين جودة الحياة في الضفة الغربية، وبناء مؤسسات سياسية واجتماعية ومدنية. ونظام العدالة الفلسطيني بشكل خاص في حاجة إلى اهتمام عاجل من أجل دعم حكم القانون.
ومن الواجب أيضاً البحث عن حل للأزمة الإنسانية في غزة لا يقوّي حركة «حماس» على نحو غير مبرر.
إن الحقيقة الأساسية هي أن سلاماً إسرائيلياً- فلسطينياً ما زال ممكناً، رغم الوضع السيئ الذي ورثته إدارة ترامب والأضرار الإضافية الكبيرة جداً التي تسببت فيها. غير أن ذلك سيقتضي إنقاذ إطار السلام. أما البديل المرعب، فهو انتظار تفجر آخر للعنف، وهو أمر لا مناص منه إذا لم يتم فعل شيء.
*باحث بمعهد «دول الخليج العربية في واشنطن»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»