الصراع حول بريكست أخذ يتحول نحو الأسوأ. ذلك أن قرار بوريس جونسون تعليق البرلمان يمثّل تصعيدا حادا للصراع.
والواقع أن رئيس الوزراء البريطاني لم يزد من احتمال أن تغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق في 31 أكتوبر فحسب، وإنما تحدّى المعارضة أن تدفع في اتجاه انتخابات عامة جديدة. وعلاوة على تعقيد أزمة بريكست، فإن خطته يمكن أن تتسبب في أزمة دستورية غير مسبوقة.
أنصار جونسون يبرّرون قرار تعليق البرلمان بثلاث حجج رئيسية. الأولى، أن الأمر يتعلق بشيء روتيني فقط؛ والثانية، أنه يصبّ في مصلحة الوفاء بنتيجة استفتاء 2016، والتي يبدو البرلمان مصمما على إحباطها؛ والثالثة، أنه سيساعد الحكومة في مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي.
والواقع أن على المرء أن يدقق النظر جيدا ليرى قرار جونسون كجزء من المسار الطبيعي للأشياء. صحيح أن البرلمان يعلَّق بشكل طبيعي كل دورة جديدة لفترة قصيرة، ولا يلتئم خلال موسم مؤتمرات الأحزاب في سبتمبر عندما يكون المشرّعون في اجتماعاتهم الحزبية السنوية. ولا شك أن الدورة الحالية قد طال أمدها؛ ذلك أنه إذا كان معظمها يدوم سنة فقط، فإن الدورة الحالية بدأت في يونيو 2017.
غير أن قرار تعليق البرلمان الآن بنيةٍ واضحةٍ تتمثّل في ضمان انتصار وجهة نظرِ حكومةِ أقليةٍ على إرادة البرلمان – وحول أهم موضوع يواجه البلاد منذ الحرب العالمية الثانية – لا يمكن اعتباره سوى استثنائيا.
مكتبة مجلس العموم تشير إلى أن تعليق البرلمان نادراً ما دام أكثر من أسبوعين، في حين أن هذا التعليق سيستمر لخمسة أسابيع. كما يشير بعض المراقبين الدستوريين إلى أنه قد يشكّل انتهاكا لـ«إعلان الحقوق لعام 1688 » الذي ينص على أنه«من أجل معالجة كل التظلمات، ومن أجل تعديل القوانين وتقويتها وصيانتها، ينبغي أن تعقد البرلمانات كثيرا».
وآخر مرة عُلّق فيها مجلس العموم من أجل الالتفاف على معارضة لمشروع قانون كانت في 1948، عندما شرّعت الحكومة «العمالية» وقتئذ لتقييد صلاحيات مجلس اللوردات غير المنتخَب. غير أن ذلك كان مختلفاً عن اليوم: ذلك أن أغلبية أعضاء البرلمان حينئذ كانت ترغب في تمرير ذاك القانون.
أما الحجة الثانية – أن إرادة الشعب المعبَّر عنها بشكل مباشر تنسخ إرادة الهيئة التشريعية – فهي ضعيفة جداً. ذلك أنه لم يكن ثمة شيء في استفتاء 2016، أو في حملة الانسحاب التي تزعّمها جونسون، يقول للناخبين إن خروجا بدون اتفاق سيكون خيارا، ناهيك عن أنه اختيار الحكومة المفضل. كما أنه لم يكن ثمة أي شيء يخبر الناخبين بالكلفة الممكنة للخروج. ثم إنه ليس من الإنصاف وصف المشرّعين بـ«أنصار البقاء» في حين أن معظمهم التزم ببرامج سياسية تدعم البريكست؛ كما أن معارضتهم هي للانسحاب بدون اتفاق، والذي لا يوجد دعم كبير له أيضا بين الجمهور.
ولكن ماذا عن الحجة التي تقول إن الاتحاد الأوروبي لن يتحرك إلا إذا كان تحت الضغط؟ إذا كانت بروكسل تعتقد أن البرلمان سيوقف جونسون، فلماذا ينبغي أن تقدم تنازلا؟ ثم إنه من الصعب الجزم بأنه في هذه المرحلة المتأخرة سيجد الاتحاد الأوروبي فجأة طريقة تسمح لكلا الجانبين بإعلان النصر – ولكن ذلك يبدو مستبعدا جدا.
جونسون يبدو أنه يستحث أنصاره على الدعوة إلى تصويت على حجب الثقة يفضي إلى انتخابات. وقد أعدّ كبشي فداء لتحميلهما المسؤولية خلال الحملة الانتخابية: الاتحاد الأوروبي، لأنه رفض تغيير بنود اتفاقية تيريزا ماي الخاصة بالانسحاب؛ والبرلمان، لأنه أحبط إرادة الشعب. وهو يريد أن يكون قادرا على القول إن حزبه هو الوحيد القادر على تحقيق بريكست بعد أغلق المعرقلون في البرلمان وبروكسل مسارات تحرك أكثر عقلانية.
سياسياً، المغامرة قد تنجح. فإذا كان هدف جونسون الأهم هو الفوز في الانتخابات ومنع نايجل فاراج، زعيم حزب البريكست، من التهام الأصوات المحافظة، فإن إزاحة البرلمان من الطريق قد تكون منطقية.
ولكن دستورياً، يمكن القول إن جونسون أطلق قوى قد لا يكون قادراً على السيطرة عليها. فـ«المحافظون» كانوا دائما يقولون إن تصويت 2016 بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي إنما يتعلق بإعادة السيادة إلى ويستمنستر. ولكنه ها هو جونسون الآن يحاول إسكات البرلمان. غير أنه ما زال ثمة مجال لتحدي جونسون. وأحد السبل لتحقيق ذلك هو عبر المحاكم.
أما إذا رفضت المحاكم التدخل، فعلينا توقع مظاهرات. فقد كتب النائب «العمالي» ديفيد لامي على «تويتر» يقول: «إذا أُسكت البرلمان بخصوص أكبر موضوع في زمننا، فيجب أن ننزل إلى الشارع».. تهديدات قد يكون مبالغاً فيها – ذلك أن بريطانيا ليست لديها نفس تقاليد احتجاجات الشارع التي لدى فرنسا – ولكن هذه ليست أوقاتا عادية في بريطانيا.
*محللة سياسية أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»